#الكنيسة و الخلاص
Explore tagged Tumblr posts
Text
استطراد حول الغنوصية(3)
في سياق القرن الرابع الميلادي توقف الفكر الغنوصي عن النشاط، وتشتت اتباع الجماعات الغنوصية المسيحية .ومع ذلك، فان نشاط آباء الكنيسة في مقارعة الهرطقة لم يهدأ. من هؤلاء نذكر أفرام السرياني من الرها (306-373م) واوغسطين )354-430م) ويوحنا الدمشقي (675-749م) وثيودور بارقونيا المؤلف السرياني الذي القى في كتابه (Scholia) الاضواء على اواخر الحركات الغنوصية في المنطقة الشرقية ،ومنهم المندائيون في جنوب العراق.
حتى وقت متقدم من العصور الحديثة لم يتوفر بين ايدي الباحثين في الغنوصية غير تلك المقتبسات التي اوردها آباء الكنيسة في معرض جدلهم مع الغنوصيين ودحضهم لمعتقداتهم. ولكن كل هذه المقتبسات اذا جمعت معا لا تملأ اليوم اكثر من خمسين صفحة مطبوعة، على الرغم من آلاف الصفحات التي انتجها الفكر الغنوصي في فترة نشاطه بين القرن الثاني والقرن الثالث الميلاديين. غير ان نصوصا غنوصية اصلية بدأت تظهر تباعا وضمن ظروف متنوعة.
كانت "المجموعة الهرمزية" اولى النصوص الغنوصية التي ظهرت في العصر الحديث. وعلى الرغم من ان هذه الكتابات لا تنتمي الى المسيحية الغنوصية، الا انها تعد اليوم نوعا من الغنوصية المبكرة التي شكلت احد الروافد الرئيسية للفكر الغنوصي المسيحي. كتبت هذه النصوص الثمانية عشر في مطلع العصر المسيحي باللغة اليونانية في الاسكندرية، وهي تنسب الى شخصية ميثولوجية هي هرمز المثلث العظمة، وهو شكل اغريقي توفيقي لإله الحكمة المصري القديم تحوت. وعلى الرغم من انها اعتبرت في البداية من انتاج حكيم مصري هيلينستي، الا انها تمثل في الواقع اتجاها دينيا سرانيا خاصا ساهم في صياغته عدد من المؤلفين .يظهر في اهم هذه النصوص، وهو بعنوان بيوماندريس، عدد من الافكار المؤسسة للغنوصية، واهمها النظرة الثنوية الى الحياة، حيث يمثل الجسد كل ما هو مظلم ومادي وفان، ويمثل العقل كل ما هو نوراني وحقيقي وخالد، وهو الذي يقود في النهاية الى الخلاص، ويجسد سعي الروح الى الانعتاق من سجن المادة عن طريق العرفان، ودعوتها الى العوالم النورانية، الى الله الذي تدعوه هذه النصوص بالأب الكلي، او ابو الكل. ترجمت المجموعة الهرمزية الى اللاتينية عام 1463 ،ومارست تاثيرا واضحا على فكر عصر النهضة في ايطاليا، ثم ظهرت تباعا في لغات اوروبية متعددة وصولا الى القرن العشرين.
ابتداء من القرن الثامن عشر بدأ عدد من النصوص الغنوصية الاصلية بالظهور، معظمها بالقبطية او السريانية وبعضها باليونانية. منها نص Pistis Sophia (الحكمة-الايمان)، وفيه نجد المسيح يبسط امام تلاميذه من الرجال والنساء المفاهيم المتعلقة باحتباس النور في عالم الظلام ثم تحريره، وذلك من خلال اسطورة سقوط الإلهة صوفيا من عالم الانوار واستعادتها اليه ثانية. ومنها كتاب "اللوغوس السري العظيم" Book of the Great Mysterious Logos الذي يحتوي على رسالتين معروفتين بعنوان :The Two Books Of Jeu ،وفيهما يشرح المسيح القائم من بين الاموات لتلاميذه اسرار العالم النوراني الاعلى. وايضا "انجيل مريم المجدلية" و"كتاب يوحنا السري" و"حكمة يسوع المسيح"، وهذه النصوص الثلاثة ظهرت فيما بعد ضمن مكتبة نجع حمادي .وايضا "تراتيل سليمان" The Odes of Solomon، وهي اشبه بمزامير العهد القديم وايضا "ترتيلة اللؤلؤة" The Hymn of the Pearl ,وهي تعد من عيون الشعر الغنوصي العراقي، وايضا "اعمال الرسل" من وجهة نظر غنوصية. يضاف الى ذلك ال��تب الدينية للفرقة المندائية التي لاتزال تعيش في جنوب العراق، وهي سليلة الغنوصية المشرقية القديمة. وقد نشر بعض هذه الكتب وترجم في سياق القرن التاسع عشر.
اعتمادا على هذه المصادر المتوفرة عن الغنوصية قبل اكتشاف مكتبة نجع حمادي، بدأت سلسلة من المفكرين والباحثين الغربيين، وبخاصة الألمان منهم، باستقصاء نزيه وحر للحركة الغنوصية عبر التاريخ ابتدأت بجوتفريد ارنولد Gottfried Arnold الذي وضع كتابا في عام 1699 وقدم فيه جدالا مفاده ان تاريخ الكنيسة المسيحية يجب ان يتوسع ليشمل الحركات الغنوصية التي رفدت الفكر المسيحي بمادة غنية لا يتوجب اهمالها. وانتهت هذه السلسلة من المفكرين بالفيلسوف هانز جوناس Hans Jonas وهو من تلاميذ الفيلسوف الالماني هايدجر ،والذي نشر في عام 1958كتابه المعنون "الديانة الغنوصية" الذي يعد ذروة البحث الفكري الغربي في الغنوصية قبل اكتشاف مكتبة نجع حمادي ومازالت قراءته مفيدة حتى الان.
بعد ترجمة ونشر نصوص نجع حمادي ،كان هناك العديد من المساهمات على جانبي الاطلسي ،ولكن اهمها في اعتقادي هو كتاب مؤرخ الاديان الالماني كورت رودولف Kurt Rudolf الصادر عام 1977 بالالمانية ،والذي ترجم الى الانكليزية عام 1987 تحت عنوان "الغنوص-دراسة في طبيعة وتاريخ الغنوصية" The nature and History of Gnosticism,Gnosis.
فراس السواح (الوجه الآخر للمسيح
1 note
·
View note
Text
كتاب علم لاهوت الاديان - الاب فاضل سيداروس اليسوعي - سلسلة دراسات لاهوتية - دار المشرق pdf
كتاب علم لاهوت الاديان – الاب فاضل سيداروس اليسوعي – سلسلة دراسات لاهوتية – دار المشرق pdf
كتاب علم لاهوت الاديان – الاب فاضل سيداروس اليسوعي – سلسلة دراسات لاهوتية – دار المشرق pdf
كتاب علم لاهوت الاديان
كتاب علم لاهوت الاديان الاب فاضل سيداروس اليسوعي سلسلة دراسات لاهوتية دار المشرق
محتويات الكتاب :
المقدمة العامة
الفصل الاول : مرجعية الكتاب المقدس
المقدمة
أولا : الاشكالية
ثانيا : علاقة اسرائيل بالامم
ثالثا : نصوص عن علاقة الكنيسة بالخارج غير المسيحي
رابعا : نصوص عن مصير غير ال��ؤمن…
View On WordPress
#اسرائيل#الاب فاضل سيداروس#الاب فاضل سيداروس اليسوعي#الاديان#الامل#الايمان#التقاليد#الخطاب الابنفماتولوجي#الخلاص#الخلاص و الكنيسة#الخوف#الدين اليهودي#الروح القدس#الضمير#الفصح#الكريستولوجي#الكنيسة#الكنيسة الاولى#الكنيسة و الخلاص#اللاهوتي الدفاعي#اللاهوتي الروحي#اللاهوتي العقائدي#المجمع الفاتيكاني الثاني#المعتقدات#جهنم#حوار الاديان#خارج الكنيسة#خلاص غير المؤمنين#خلاص غير المسيحيين#دراسات لاهوتية
0 notes
Text
خدمة المسيح
Oliver كتبها -أهم إسم للخدمة أنها خدمة المسيح.تعريفها أنها خدمة يقوم بها المسيح بذاته.ليست خدمة الخدام و لا خدمة الكنيسة و لا المجتمع بل هي خدمة المسيح بواسطة كل هؤلاء.فالخدمة تسليم النفس لله ليعمل بها.يتحول الخادم و الخادمة إلى آلة بر لله.رو6: 13.الخدمة أن لا نحيا نحن بل المسيح يحيا بنا غل2: 20 .لهذا يجول بنا أع10: 38 .يعظ بنا.2كو5: 20 ينير بنا.رؤ22: 5 يرشد بنا بمشورة الخلاص أع4: 28,أع13:…
View On WordPress
0 notes
Photo
✧ 🌙 ✧༺༻ ∞نبض💫الكون∞ ༺༻✧ ☀️ ✧ . . ✩࿐ ☀️♓🌙 ࿐✩ . . ✨ ترمز الدرجة (٤° ♓ ٥°) التي يحدث فيها قمرنا الجديد في الحوت إلى "بازار الكنيسة" أو مثله، فيما يتم حول المسجد 💫 مما يشير إلى أن رموز الكنيسة و المسجد ("الله" ؛ "الإيمان" ؛ "الخلاص") هي موجودة دائمًا حتى في معظم الأنشطة/المُعاملات البشرية المادية ؛ والقمر الجديد في برج الحوت هو تذكير رائع بذلك ؛ فهذا هو الحدث الذي يكون فيه الأفراد أصحاب نفس التوجه/المزاج/العقلية (قد نقول، متناغمين روحيًّا مع بعضهم البعض) يشتركون في إطار الإعتقاد المشترك حول الطريقة "الصحيحة" للعيش ويجتمعوا عاملينَ بالمشاركة لأعمالهم اليدوي، وإبداعاتهم، في احتفال�� مُقَدَّس من الزمالة! . لا حرج في ذلك، أليس كذلك!؟ 💫 فيما عدا كَمّ و كَيْف نختبر، نتعلم، أو نطور معتقداتنا إذا ما كنا نحيط أنفسنا فقط بالآخرين الذين يشاركوننا وجهة نظر "متطابقة" مع رؤيتنا!؟ . ويأتي هذا القمر الجديد ليحثنا على البحث في العالم الأوسع ؛ بينما نسعى لتحقيق القواسم المشتركة، (على سبيل المثال، الجنس البشري برمته!)، أو تلك السِّمات المشتركة التي نتشاركها مع الكائنات الحية الأخرى، 💫 بدلاً من تقليص عالمنا كله إلى "آخرين يشبهوننا أكثر من غيرهم!" ؛ ويشير هذا القمر الجديد إلى الحاجة لتجربة جديدة بالتوسع مع الآخرين مِمَّن هُم في مجموعات "لا تشبهنا" ! . إحضار الضمير والوعي إلى السوق يمكن أن تدار الأموال دون سموم الجشع لأن التجارة غالبا ما تنطوي على المال، فإن احتمال الجشع أقوى ؛ كما أنَّ تخزين فوائض العُملة أسهل بكثير من تخزين الطعام ؛ ومن خلال جلب التركيز الروحي لمثل هذه المُعاملات الدنيوية، يمكننا أن نذكر أنفسنا بأنه يمكن العثور على القدسية في كل الأشياء، ومن ثم، فإننا نكون أقل عُرضة أن نفقد أنفسنا في جوانبها الأكثر ظُلمة . يشير هذا الرمز إلى أننا وخلال هذه الممارسة تستفيد مساعينا من تنمية اتصالات جديدة وتعزيز الولاءات القديمة . إنَّ المجتمع يزدهر من خلال مؤسساته وأحداثه الإجتماعية ؛ ويجتمع فيه الأفراد حيث يتم تنفيذ ولاءاتهم الهامة من خلال مشاركاتهم في هذه المسؤوليات والأنشطة المشتركة ؛ حيث يلتقي المرء فيه بجيرانه، ويحتفل ويكتشف الصداقة . وفي حين أن الإتصال غير ملحوظ، إلا أنه يمنحنا جميعًا فُرصة للاستمتاع ليس فقط بدفء الزمالة، ولكن أيضًا بقدرات الإنجاز الهرمية . يُنظم المجتمع نفسه من أجل الرفاهية العامة للأعضاء المساهمين، ولكل واحد منا القدرة الفطرية على الاستفادة من الولاءات الدائمة التي تتطور داخل ذلك ؛ بينما نكتسب قدرًا أكبر مما نمنحه وما نتلقاه ؛ خلال عملا خيريا كهذا ! . . . — view on Instagram https://scontent.cdninstagram.com/v/t51.2885-15/e35/87302178_521830891801119_1350565838817117551_n.jpg?_nc_ht=scontent.cdninstagram.com&_nc_ohc=zwj8PEvW-scAX_oOSUM&oh=66736f8fd8caae4dcdbb08f5b6d5a210&oe=5E885F4B
0 notes
Photo
مذبحة لشبونة.................. . وصف المؤرخ “دون جومس واسيلڤا” مذبحةً حدثت في “لشبونة” عاصمة بلاد البرتغال أيام الملك “مانويل الأول” سنة 1506م من شهر أبريل الموافق ل 16 من ذي القعدة 911ه وكان يوم عيد الراعي الصالح عند النصارى. يقول المؤرخ: “لما أصبح الصباح على “لشبونة” أخذت أجراس كل الكنائس تصلصل صليلاً متواطئاً بطيئاً يدخل الحزن على النفس رغم جمال ذلك اليوم وشمسه الساطعة وكان يوماً من أيام الربيع البديع. وإذا ما نظر إنسان إلى العاصمة، رأى بحراً متحرّكاً من رؤوس البشر، وهم جموع غفيرة من الأهلين جاؤوا ليحضروا الإحتفال الديني، وقد اعتم كل بعمامة تباين عمامة الآخر، وتعصبّوا بعصابات مختلفة متلونة، فمن اعتنق المسيحية وهو مكره كانت عصابته حمراء وهم من أجبرهم ديوان التفتيش على الكثلكة من المسلمين واليهود، والذين أُجبروا أيضاً على حضور الاحتفال لإظهار حسن نيتهم مع الدين الجديد. كان ذلك البحر الزاخر من الناس يموج ويعلو كالأمواج ويرتطم عند باب الكنيسة الكبير، وهناك أقيم حوض كبير من الرخام فيه الماء المقدس، فكان الناس يغمسون أيديهم ويرسمون إشارة الصليب على جباههم، أفواجاً أفواجاً. وأقيم في وسط الساحة مذبح كبير غُطّى بالمخمل المذهب، تحيط به أوان من ذهب و فضة وبلور، كل ذلك لكي تبهر عيون الناس إذا ما وقعت عليه أشعة الشمس، فأما وراء المذبح أقيم صليب كبير جداً، بمنصات عليها صور القديسين وعظامهم المزينة بالحجارة الكريمة، لتقبل توبة الخاطئين ومن لم يكن مسيحياً من قبل. كان في وسط المذبح نجمة كبيرة أسموها:”نجمة المؤمنين” أحدثت بها أشعة الشمس لمعاناً يبهر الأنظار ويحدث ألماً شديداً في عيون الناس المكرهة على التحديق فيها، فأخذ الجهلة يصيحون والكل يتبعهم: ـ اركعوا يا أهل “لشبونة”، فقد أشرق نور العذراء،أظهر مجدك يارب، وبارك المؤمنين. ثم جاؤوا بالصلبان من داخل الكنيسة وصاح أحد الكهنة مخاطباً تلك الجموع: ـ يا أيها الناس؛ إن النور الذي ترون ليس بنور العذراء، ولا هو من نور الرب بل هو نور الشمس، وقد قالت السيدة أنها لن تشرق علينا لوجود كفرة بيننا لايستحقون مشاهدة نور الإله، فأرجو (أن يزيل الرب أولئك الكفار عنا، ومن بيننا) هيا أرجوه. فصاح الشعب المتعصب بصوت هادر قائلا: “ال��يل للزنادقة، الويل للكفرة…” ثم نهضت تلك الألوف المؤلفة، و سارت في موكب كبير وأخذوا يصيحون بالويل والثبور وعظائم الأمور، و بالقتل لكل الزنادقة واليهود والملاحدة، فاجتمعوا على يهودي فقتلوه شر قتلة، وقتلوا كل معترض عليهم بالطعن والتمزيق،واشتد العجب و الصراخ. وسار الكهنة في مقدمة الجماهير تصحبهم صلبانهم وراية الخلاص لكي يؤججوا https://www.instagram.com/p/B2r5nVEDG_m/?igshid=ut1uvsfhvuqm
0 notes
Text
اتاي
"إنه حيثما كان سيدي الملك إن كان للموت أو للحياة فهناك يكون عبدك أيضاً" (2صم 15: 21)
مقدمة
قصة اتاي من أروع القصص الكتابية التي تحدثنا عن الغريب الذي يتبادل الموقع، لم يكن أتاي إسرائيلياً، بل فلسطينياً من جت بلد جليات الفلسطيني،.. وعندما التقى بداود لم يكن اللقاء بينهما لقاء جليات بداود، أو لقاء عدوين متقاتلين، أو خصمين يطلب أحدهما حياة الآخر، أو رجلين يتعبد كل منهما لإله يختلف عن الآخر،.. لقد التقيا على العكس من ذلك، لقاء صديقين محبين مسالمين، إذ جاء أتاي غريباً منفياً من وطنه، ومن المؤكد أنه آمن بإله إسرائيل، ولفظ عبادة داجون، واستظل بجناحي الإله الوحيد الحي الذي يتعبد له داود، وقد جاء إلى داود مع ستمائة من الفلسطينيين، لعلهم أهل�� وعشيرته وبيته، وكان قائداً عليهم!!.. ومن العجيب أن هذا الرجل الغريب تبادل الموقع، ففي الوقت الذي خرج فيه أبشالوم وأخيتوفل وشمعي على الملك،.. جاء هذا الرجل ليأخذ المكان الخالي، وليدافع عن الملك دفاع الحياة أو الموت،.. من حق هذا الرجل أن ننظر إليه وهو يقود ثلث الجيش المدافع عن داود مع يوآب وأبيشاي اللذين قادا الثلثين الآخرين، نفس النظرة التي نظر بها المسيح إلى قائد المئة: "فلما سمع يسوع تعجب وقال للذين يتبعون الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"... ومن حقنا نحن الذين كنا أصلاً بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لنا، وبلا إله في اعالم، أن نفخر بالرجل القديم الغريب الذي أخذ المكان المتقدم الذي ضاع من ابن البيت وصاحبه!!.. دعونا إذا نرى الرجل في الصورة التالية:
أتاي المنفي
ليس من السهل أن تعرف لماذا نفى أتاي من بلده ووطنه،.. وهل يرجع الأمر كما يتصور البعض إلى الطغيان في الحكم هناك، مما دعاه إلى الهروب والالتجاء إلى إسرائيل، كما فعل داود في صدر شبابه، وهو هارب من مطاردة شاول الملك؟.. أو أن الأمر يرجع إلى تصرف ما، لم يرق في عيني القادة الحاكمين، مما اضطره أن يلجأ لداود بحثاً عن أمنه وسلامته؟.. أياً كان السبب فإنه من الواضح أن الرجل دخل إسرائيل منفياً متعباً، هو والذين تبعوه، وأنه لجأ إلى داود وإسرائيل بحثاً عن الهدوء والأمن والسلامة ومن الواضح أن النفي كان جزءاً من عناية الله وهو يدري أو لا يدري -للإيمان بإله إسرائيل، والتعرف عليه والاستظلال بجناحيه، وأنه على اختلاف الزمان والمكان أشبه براعوث الموآبية التي حياها بوعز بقوله: "قد أخبرت بكل ما فعلت بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت أباك وأمك وأرض مولدك وسرت إلى شعب لم تعرفيه من قبل من قبل ليكافيء الرب عملك وليكن أجرك كاملاً من عند الرب إله إسرائيل الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه".. ومن الواضح على أي حال أن قصته تطالعنا بملامح رجل ألف حياة الجندية، وارتسمت على قسمات وجهه غضون الآلام والمتاعب والكفاح، ومثل هذه الحياة، يمكن أن تكون التربة الخصبة الصالحة لعمل نعمة الله، وكسبه إلى الحياة الأبدية!!.. ومن المعتقد لذلك أن النفي كان وسيلة الله للبعد عن داجون والاقتراب إلى تابوت العهد في إسرائيل!!... إن المنفى بالنسبة لأي إنسان هو الكارثة بعينها، التي لا يرحب بها، ولكنها مرات كثيرة تكون طريق الله العظمى لكل ما يتمتع به من خير أو بركة،.. وقد لا يكون المنفى بالضرورة البعد عن الوطن أو الحرمان منه، ولكنه على أي حال هو ذلك الإحساس بالأسر المادي أو المعنوي، الذي يجرح الجسد أو النفس، ويترك بصماته العميقة على الروح في الإنسان الباطن،.. في قصة لشاب أمريكي أنه في ثورة من ثورات غضبه لعن بلده أمريكا، وإذ قيل له أنه ليس من الكريم واللائق أن يلعن الإنسان وطنه، وإذ به يجيب ممعناً في التمرد، أنه لا يعتبر أمريكا وطناً له،... وكان جزاؤه القاسي الذي حكم عليه به حرمانه من أن تطأ قدمه أرض أمريكا طوال حياته،.. وضعوه في سفينة تجوب به البحار، دون أن يسمح له أن تطأ قدماه الأرض الأمريكية عندما ترسو في أي ميناء، وحن الشاب إلى أن تطأ قدماه الأرض الأمريكية عندما ترسو في أي ميناء، وحن الشاب إلى بلده، وكان الحنين يمزق قلبه، وهو يرى من على بعد الأرض والمدن والبلاد التي لا يجوز له أن يدخلها، وضاق الطريد بالمنفى، ولما لم يجد رجاء في الأرض، اتجه إلى الله في السماء، وكان الإنجيل صديقه وملاذه في الكربة والضيق، وعندما مات كان هو الشيء الوحيد القريب منه، وتحت وسادته، وكأنما يريد أن يذكر قومه، أنه وإن حرم من وطنه الأرضي، فإنه لا يمكن أن يحرمه أحد من الوطن السماوي، الذي يتجه إليه كل مؤمن غريب نفته الأرض بالموت ليستوطن عند الله،.. قد يكون المنفى بعداً عن وطنه، أو قد يكون أسراً صحياً لجسد فقد البصر، أو أقعدته العلة عن الحركة والنشاط، أو ربما يبدو خسارة في مال، أو هزيمة لمركز، وضياعاً لحب أو ألفة أو صداقة،.. وقد عرفه الشاب الاسكتلندي العظيم چورچ ماتيسون عندما كان في آخر مرحلة في دراسته الجامعية، وكان قد خطب لنفسه فتاة، وأصيب بمرض في عينيه، قرر الأطباء معه أنه لابد أن يفقد البصر، وإذ تركته خطيبته لعلمها بذلك، جرح في الأعماق، وفي منفى النفس، والقلب المكسور، عرف المسيح، وأصبح خادماً من أشهر الخدام الاسكتلنديين، وهو مكفوف، وخلد ما حدث معه بترنيمته العظيمة التي مطلعها: أيتها المحبة التي لا تدعني أذهب!!، لقد أوشك في منفى النفس أن يهيم على وجهه، ويضرب على غير هدى، ولكنه وقد فقد البصر، ضاءت بصيرته، وعرف الحياة الجديدة مع المسيح،.. لم يأت أتاي الجتي إلى المنفى في إسرائيل، بل جاء قبل وبعد كل شيء إلى الله، إله إسرائيل هنا!!...
أتاي الغريب
كان أتاي الجتي واحداً من أشهر الغرباء الذين سجل الوحي قصة حياتهم العظيمة ين الناس، وهو واحد من ذلك الموكب الجليل النبيل الحافل بأعاظم الرجال أو النساء على حد سواء، موكب ملكي صادق، وأيوب، وراحاب، وراعوث، وأوريا الحثي، وملكة سبأ، ونعمان السرياني، وقائد المئة الذي لم يجد المسيح في كل إسرائيل كإيمانه، وغيرهم من الغرباء الذين بزوا الجميع وتقدموا الصفوف، وصاروا نجوماً لامعة عجيبة في كل التاريخ، وأتاي الجتي بهذا المعنى ليس إلا الصورة أو الرمز لكل أعمى غريب أفقدته النعمة، وجاءت به من المنفى، أو الكورة البعيدة، التي وصل إليها،.. وفي الحقيقة إنها ظاهرة عجيبة تستدعي الدرس والتفكير والتأمل، كيف يمكن أن يأخذ "الأعمى" مكان "الإسرائيلي" و"الغريب" مكان ابن "البيت" على هذا النحو العظيم العجيب،.. وهي ظاهرة يمكن أن نأخذها بصورة أخرى، عندما نرى عمل النعمة الإلهية، في الكثيرين من الأشرار الذين أوغلوا في الخطية والفساد، وهم "غريبون" عن كل كنيسة، أو أكثر من ذلك من مضطهدي الكنائس، والذين لا شيء أبهج على قلوبهم ونفوسهم، من مقاومة العمل الإلهي في كل مجال ومكان،.. في مدينة روزرهام بانجلترا هناك كنيسة أسسها رجل اسمه "يوحنا ثورب"،.. وقصة هذا الرجل عجيبة،.. إذ أن يوحنا ويسلي ذهب إلى المدينة ليعظ فيها، وينادي برسالة الخلاص التي جاء بها المسيح إلى العالم،.. وتصدى يوحنا ثورب ليوحنا ويسلي، وهو يقود جماعة آلت على نفسها أن تفسد كل أثر لرسالة الواعظ الإنجليزي العظيم،.. وابتكر ثورب كل وسيلة شيطانية لإفساد الرسالة الإلهية، فلم يضطهد رجل الله فحسب، بل أراد أن يجعله سخرية للمدينة كلها،.. وذات مرة وهو يقلد ساخراً الواعظ الكبير أمام جمع من المعربدين والسكيرين في أحد البارات، وبينما هو يفعل ذلك، إذ بروح الله يسيطر عليه، وهو في ذات الفعل يسخر ويجدف،.. وإذا بالساخر، لا يتحول قديساً فحسب، بل يصبح أكثر من ذلك واحداً من أعظم مساعدي يوحنا ويسلي في خدمة الله،... وما تزال الكنيسة التي أسسها يوحنا ثورب قائمة إلى اليوم في مدينة روزرهام لتشهد بعمل نعمة الله في المجدف والسكير والشرير والأحمق، والذي تحول ليبشر بالإنجيل الذي كان يتلفه من قبل!!..
أتاي المحب
ولا يمكن أن نقرأ قصة هذا الرجل العظيم والجندي الشجاع، دون أن نتبين عاطفة المحبة القوية التي ربطت بينه وبين داود، ومن المعتقد أن كليهما كان صاحب الفضل في أن تصبح واحدة من أندر صور المحبة بين الناس، ولعل السر في ذلك يرجع إلى طبيعة الرجلين واستعدادهما الكامل للتقابل وال��جاوب، فداود أصلاً من الشخصيات التي تثير التقدير والإعجاب والحب،.. ولعله وهو الملك النبيل الشجاع، ورجل الله العظيم المقدام، وقد لاذ به أتاي، قد أفسح له المكان، ومن معه، وأعطاه ما لم يكن يحلم به من مساعدة ومعاونة، بل قربه إليه ليجعله من خاصته الملكية، وقائداً لمجموعة الفلسطينيين الذين جعلهم كحرس ملكي له،... وما من شك بأن أتاي وقد خرج من الجو الوثني إلى الجو الفياض بمعرفة الله والإشراق الإلهي، رأى النور مكان الظلمة، ورأى الحق مكان الباطل، ورأى الله مكان داجون،.. وكان لابد أن يؤخذ بهذا كله، ليحوله عصارة حب لله، وللرجل الذي جعله الله على رأس الأمة ملكاً وقائداً لها،.. وما من شك بأن داود رأي في أتاي الرجل الصريح الشجاع الأمين، الجدير بكل تقدير وإكرام ومحبة،... ووقع كلاهما من الآخر الموقع النفسي الحسن،.. على أن الأمر -فيما أعتقد- كان أكثر من ذلك، إذ أن داود التقى بأتاي وهو منكوب عاثر، والنفس العاثرة شديدة الانفعال والإحساس، وهي تذوب حباً فيمن يقف منها موقف الحنان والرفق والعطف والمساعدة والإحسان، والأمر عينه، عندما تعثر داود، ووقف موقف الشريد الطريد، وفاض قلب أتاي، بأعمق المشاعر، ولعله تذكر في ذلك الوقت ما فعل معه داود عندما جاءه هارباً منفياً مطروداً مشرداً،... على أي حال لقد كانت محبة الرجلين بعضهما للبعض مزيجاً من الإعجاب والآلام، والآمال والتعاسات،.. وكانت أصدق صورة للمحبة في صحو النهار أو حلوكة الليل، في رقة النسيم أو أمام الزوبعة القاسية والعاصفة الهوجاء!!...
أتاي الوفى
كان أتاي الجتي صورة من أروع صور الوفاء التي كتبت في حياة الناس على هذه الأرض،.. وقد كان وفاؤه أولاً وقبل كل شيء لله، أو في لغة أخرى، إن وفاءه لداود كان نابعاً في الأصل من الوفاء لله،.. كان هذا الرجل كما عرفنا رجلاً جندياً بطبعه وحياته، وكان لهذا السبب صادق النظر، مستقيم المبدأ، لا يعرف الازدواج أو الرياء أو التصنع أو الانحراف، وهو يعرف عندما يدخل المعركة، لماذا دخلها، وما واجبه في أوراها واشتداداها،.. ولا شك أنه سأل نفسه هذا السؤال الواحد: ها هي الثورة تقوم، وها هو الابن ينقلب على أبيه، فأيهما على حق وأيهما على ضلال؟!! وكان الجواب على السؤال هو الذي يحدد موقفه القاطع الحاسم النهائي، وقد أدركه بدون أدنى ريب أو تردد، إذ لم يكن هناك شك في أن الموقف الحق الصحيح إلى جانب داود، وضد ابنه المتمرد الثائر الآثم الشرير!!... ومهما تكن النتيجة فإن واجبه يقتضيه أن يقف في موقع الله، حيث الحق والصدق، والشرف والأمانة،... ومن الملاحظ أن أتاي لم يسأل الأسئلة التي قد تراود الذهن البشري قبل أن يقرر مكانه وموقعه، كمثل من يا ترى سيفوز في الثورة، ومن سينهزم؟!! من سيحيا ومن سيموت؟!! من سينجح ومن يصاب بالهزيمة؟!!.. كل هذه أسئلة لا مكان لها عنده، إذ أن مكانه الوحيد: "حي هو الرب وحي سيدي الملك إنه حينما كان سيدي الملك إن كان للموت أو للحياة فهناك يكون عبدك أيضاً"... أليس هذا عين ما قالته راعوث لنعمى من قبل: "فقالت راعوث لا تلحي علي أن أتركك وأرجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت شعبك شعبي وإلهك إلهي، حيثما مت أموت وهناك أندفن. هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد إنما الموت يفصل بيني وبينك"... (را 1: 16 و17).
فإذا أضفنا إلى ذلك أن جمال التصميم عند راعوث من قبل، أو عند أتاي فيما بعد، نشأ بعد العرض السخي الكريم من نعمى أو داود أن يعود المصاحب إلى موقعه ومكانه، دون أن يجهد نفسه أو يكلفها بما لا قبل لها من تعب ومشقة وجهد ومعاناة،... وكما رفضت راعوث من قبل، رفض أتاي من بعد في تصميم من وضع يده على المحراث دون أن يفكر لثانية واحدة في النظر إلى الوراء،.. لقد جاء هذا التصميم من نبع الاختيار الحر المطلق الكريم!!.. على أن الجمال الأعظم في هذا الولاء أو الوفاء، أنه جاء في وقت المحنة، والمستقبل الغامض المجهول،... وإذا كانت المحنة قد كشفت الأعماق عند شمعي وأخيتوفل وأبشالوم، وسائر الشعب الذي سار وراءهم، فإنها هي التي أعطت المثل الأعلى في ذلك الذي سار وراء داود وهو مغطى الرأس حافي القدم أعزل من القوة والرجاء بحسب المفهوم البشري ونظرة الناس،.. ومن الغريب أو العجيب أن كلا منا يلزم أن يكون بمعنى ما "أتاي" في التبعية، لابن داود، ابن الله في الأرض،... إذ لا يمكن أن نرى مجده، قبل أن نخرج إليه خارج المحلة حاملين عاره،... وكما وقف أتاي الجتي مع داود ضد من يحاول أن يغتصب عرشه، فإن واجبنا أن نقف مع ابن داود ابن الله، ضد كل المحاولات التي تحاول أن تغتصب مجده وعرشه وجلاله، وتجرده من سلطانه العظيم كملك الملوك ورب الأرباب، ومهما يكن نصيبنا من الاضطهاد والمحن والتشريد والآلام، إلا أن موقعنا الصحيح من المعركة معروف دون أدنى تردد أو تراجع أو إبهام... مع المسيح في الحياة أو الموت على حد سواء!!..
عندما وقف مارتن لوثر في مجمع ورمس، أما تشارلس الخامس الامبراطور، ووجه إليه السؤال: "هل تتراجع أو لا تتراجع عن معتقداتك"؟.. جاء الجواب: "إذا كان "جلالتك" يطلب مني جواباً واضحاً، وبسيطاً، ومضبوطاً، فسأعطي هذا الجواب، وهو أني لا أستطيع أن أخضع إيماني للبابا أو للمجامع، لأنه واضح وضوح النهار أنها تتعرض للخطأ والتناقض بعضها مع بعض، وما لم أقنع بشهادة الكتاب المقدس، وبالمنطق الواضح، ما لم أقتنع بما ذكرت من أجزاء كتابية، وما لم يربط ضميري بكلمة الله، فإني لا أقدر أن أتراجع، ولا يمكن أن أتراجع، إذ أنه ضار بأي مسيحي أن يتكلم ضد ضميره".. وحتم دفاعه بالعبارة التي دوت في كل الأجيال: "هنا أقف ولا أفعل غير ذلك، وليعني الله"...
ليس من حق المسيحي أن يسأل أين توجد الأغلبية، أو من يتصور أن يعيش أو يفوز في المعركة إذ أن مكانه دائماً إلى جانب "الملك" في الحياة أو الموت على حد سواء، لأنه إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت، لأنه إن عشنا وإن متنا فللرب نحن،... وإذا كان الاسبرطيون القدامى في معركة ترمبولي قد كتب على نصبهم: "أيها المسافرون اذهبوا وقولوا لاسبرطة إننا متنا هنا طوعاً لقوانينها المقدسة"... وإذا كانت آخر كلمات الشاب الفرنسي بايارد، وهو يصعد إلى المقصلة قائلاً لجلاديه: "أيها السادة لست أنا ممن يرثى له، فأنا أموت إتماماً لواجبي، إنما أنتم أولى بالرثاء، يا من رفعتم سلاحكم ضد مليككم وبلادكم وعهودكم"...
لقد تصرف أتاي الجتي بالروح التي يلزم أن يتصرف بها المسيحي إزاء سيده وملكه وفاديه ومخلصه،.. وإذا كان داود قد ��حس في هذا الولاء روح الحب العميق، الذي على استعداد أن يبذل الحياة نفسها دون تحفظ، فإن ابن داود، أو بالحري ابن الله يستحق أضعافاً مضاعفة كل ولاء ووفاء، مهما تعرض هذا الولاء أو الوفاء للامتحان القاسي أو المحنة الجارفة!!...
أتاي المنتصر
لقد أعطى هذا الغريب شرف القيادة في المعركة، إذ قسم الجيش إلى فرق ثلاث واحدة بيد يوآب، والأخرى بيد أبيشاي، والثالثة بيد أتاي الجتي، ولعل هذا كان فخر الرجل ومجده، وهو فخر كل من يدعي للقتال في معركة المسيح، وهو الفخر الذي طالب بولس ابنه تيموثاوس بأن لا ينساه أويتخلى عنه عندما قال له: "فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح"... وإذا كان أيوب يذكرنا بالحقيقة التي تتابع كل إنسان على الأرض: "أليس جهاد للإنسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه؟!!" فإن السؤال لم يعد بعد: هل نجاهد أم لا؟!!. إذ لابد أن هناك جهاداً محتوماً يواجهنا لكن السؤال: ما هو نوع هذا الجهاد؟!!.. هناك معركة طرفاها داود وأبشالوم، المسيح والشيطان، الخير والشر!! فأي جانب تأخذ في المعركة؟ وأي مصير نرتبط به في قصة جهادنا الأرضي؟!! هل نأخذ المكان إلى جانب أبشالوم، نجاهد الجهاد الآثم الشرير المحرم، الذي لابد أن يلحقه الضياع والموت والهلاك الأبدي؟.. أم نأخذ جانب داود؟ أو بتعبير أصح، جانب ابن داود لنغني في النهاية مع من قال: "جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان، وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً!!"..
كان البادي حسب الظاهر أن الغلبة ستكون إلى جانب أبشالوم، إذ أن الذين مع داود لا يزيدون عن حفنة لا يمكن أن تقارن بالسيل المخيف من المتمردين الثائرين، ومع هذا، فإن أتاي واجه المستقبل المجهول بالنفس المطمئنة الراضية في الموت أو الحياة، وهذا في حد ذاته هو النصر الذي ما بعده نصر فالمؤمن -شاهداً أو شهيداً- منتصر في كل الحالات مع المسيح، لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح!!.. إن الهزيمة في حياة المؤمن، لا ترتبط إلا بشيء واحد، هو وقوعه في السقوط والخطية،.. أما ما عدا ذلك، فهو النصر، بل هو أكثر من النصر إذ: "يعظم انتصارنا بالذي أحبنا"...
طلب داود أن يدخل في المعركة، فرفض أتباعه، و��لبوا أن يبقى في المدينة ليكون نجدة لهم إذا ما حزب الأمر واشتد القتال،.. على أننا وإن كنا نقاتل في معركة المسيح، وإن هذا هو حظنا وقدرنا، فإن المسيح لا يبقى كداود بعيداً عنا، بل سيرقبنا لينجدنا، حتى يستطيع الواحد منا أن يقول بكل فخر ويقين: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" وسنجد أنه مهما كانت المقتلة العظيمة بين القلة مع داود، والكثرة مع أبشالوم، فإن المعركة ستنتهي على نحو مثير مفاجيء، بسقوط العدو وسحقه، مما سيفعله السيد في المعركة الأقسى والأعظم: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً!!"..
عاد أتاي الجتي مع داود إلى أورشليم في موكب المنتصرين، ولا أعلم ماذا كان إحساسه في ذلك، أو ماذا كان مذاق النصر عنده، وقد سقط التمرد والبغي، والشر والفساد أمام الصدق والحق، والأمانة والرحمة،.. لكني أعتقد أن أتاي عاش طوال عمره يذكر تلك اللحظة الحاسمة من حياته! حيث واجه الاختيار الأقسى والأصعب والأشد،.. ولعله علم أولاده وأحفاده -في الصراع بين الحق والباطل- أن يقولوا كما قال هو ذلك اليوم القديم: "حي هو الرب وحي سيدي الملك إنه حيثما كان سيدي الملك إن كان للموت أو للحياة فهناك يكون عبدك أيضاً"...
0 notes
Text
موت إيفان إيليتش
في عام 1869، وبعد أن انتهى من كتابة روايته "الحرب والسلام"، مرّ ليو تولستوي بأزمة روحية عميقة نتيجة حادثة حصلت له أثناء رحلة عبر مدينة أرزاماس التي تقع على نهر تايوشا وتبعد حوالي 250 ميلا إلى الشرق من موسكو. تولستوي وصف تلك التجربة في قصّته "مذكّرات رجل مجنون". وقد اختار لها هذا العنوان لأنه كان مقتنعا بأن القرّاء سيجدون القصّة غير قابلة للتصديق.
بعد ساعات قليلة من منتصف إحدى الليالي استيقظ تولستوي من نومه وقد استولى عليه اليأس والرعب كما لم يحدث له من قبل. وبعد أن سأل نفسه عن سبب خوفه وحيرته، جاءته الإجابة سريعا: أنا هنا". ولم يكن المتحدّث سوى الموت. تولستوي كان يواجه حتمية موته ويشعر بالرعب والهلع من سلطة الموت.
ظلّت ذكرى تلك الليلة المؤرّقة تلازم تولستوي بقيّة حياته، وأصبح مشغولا بشكل دائم بفكرة الفناء. وعندما كتب اعترافاته بعد ذلك بعشر سنوات تساءل: هل يبقى لحياتي أيّ معنى في ظلّ حتمية اقتراب الموت؟". وانهمك في تأمّلات طويلة وشاقّة. زوجته سونيا التي عانت معه طويلا تصف ما حدث بقولها: كثيرا ما كان يقول إن دماغه يؤلمه. كانت هناك عملية مؤلمة تجري في داخله، كان كلّ شيء بالنسبة له قد انتهى، وحان الوقت لكي يموت".
رعب تولستوي في أرزاماس، كما اسماه صديقه الكاتب الروسي مكسيم غوركي، كان هو الأساس الذي بنى عليه تولستوي روايته القصيرة والبارعة "موت إيفان إيليتش". ومنذ ظهور هذه الرواية عام 1886، والنقّاد والقرّاء يشيدون بها باعتبارها تحفة أدبيّة. وقد اكتسبت الرواية سمعتها بسبب مقاربتها المعاصرة والثوريّة لفكرة الموت.
إيفان إيليتش، المحميّ بأمان في عالم من الامتيازات والرفاهية، يعمل قاضيا في المحكمة العليا في سانت بطرسبرغ القيصرية. وهو لم يفكّر ذات يوم في الموت. ثمّ، في احد الأيام، وبينما كان يحاول مساعدة نجّار في تعليق ستارة في إحدى غرف منزله، يقع إيفان عن السلّم. في البداية يهنّئ نفسه على أنه نجا من الحادث، باستثناء إصابة بسيطة في فخذه. لكن مع مر��ر الوقت، يكبر الألم ويصبح إيفان منهكا ومكتئبا وغير قادر على استجماع ما يكفي من طاقته للتحرّك بعيدا عن الأريكة.
الأطبّاء يرفضون الاعتراف بأن إيفان إيليتش في طريقه لأن يموت. زوجته وابنته تصبحان ضجرتين من حاجته الدائمة للراحة والدعم العاطفي. الجميع تخلّوا عنه باستثناء خادمه الأمين، غيراسيم. لقد تُرك إيفان إيليتش كي يواجه الموت لوحده. وفي النهاية يموت في بيته ببطء وبكثير من الألم والوحدة.
والنتيجة هي أننا بمواجهة قصّة محزنة ومليئة بالعواطف في تفاصيلها اليومية المعتادة وفي جمال نثرها، ما يؤهّلها لأن تكون واحدة من أكثر الأعمال الأدبية إثارة للمشاعر.
الكتابة عن الموت لم تكن بالأمر الجديد. في القرن التاسع عشر، كان الموت موضوعا مفضّلا للرومانسيين وللكثير من الكتّاب الذين أتوا بعدهم. وقد ابتكر هؤلاء أبطالا من جميع الأنواع: عشّاق يموتون موتا مأساويا، وفنّانون معذّبون ووحيدون تنتهي حياتهم بطريقة جميلة ومؤلمة في الوقت نفسه، ورجال شجعان يضحّون بأنفسهم في المعارك ويواجهون الموت ببسالة.
الشيء الجديد في رواية تولستوي هو الطريقة التي واجه بها بطلها الرئيسي الموت. فعندما يقع إيفان فريسة للمرض، يكتشف انه غير قادر على أن يستمتع بشيء، وأن الأصدقاء الذين تعرّف عليهم ليسوا أصدقاء حقيقيين، وأن عائلته لا تحبّه حقّا، وأنه أصبح لوحده تماما. كما يكتشف أن أيّا من الأشياء التي قام بها في حياته لم تعد تعني له شيئا.
تبدأ الرواية في اللحظة التي يعرف زملاء إيفان إيليتش عن وفاة صديقهم. ثم، فجأة تتحوّل إلى "فلاش باك" يعرض لتفاصيل من حياة إيفان إيليتش، كالقرارات التي اتخذها، ولماذا وكيف أخذها، وكيف أثّرت تلك القرارات على حياته. لقد أصبحت حياته مادّية وتفتقر إلى أيّ نوع من العاطفة. ثم يقع حادث صغير يتسبّب في وفاته قبل الأوان. وبالقرب من نهاية حياته، يضطرّ لأن يتصالح مع حقيقة أن الموت أمر لا مفرّ منه. وعندما يتقبّل هذه الحقيقة يتبيّن له انه رغم انه عاش حياته بطريقة صحيحة اجتماعيا، إلا انه لم يعش الكثير منها على الإطلاق.
ثم يشرح تولستوي بشكل مؤلم كيف أن أحدا لا يبدو مهتمّا بـ إيفان إيليتش عندما يموت. زملاؤه عندما يسمعون عن خبر موته يقرّون بأن تلك صدمة. لكن سرعان ما يتحوّل اهتمامهم إلى الحديث عن الترقيات والفرص الوظيفية الجديدة. زوجة إيفان، براسكوفيا، لا تختلف كثيرا عن زملائه. إنها لا تأبه كثيرا بحقيقة أن زوجها مات وتبدو مهتمّة أكثر بالتفكير في حظّها العاثر.
تولستوي نفسه كان بعيدا جدّا عن كونه سعيدا عندما كتب هذه الرواية. قبل أن يبلغ الخمسين، كان قد كتب الحرب والسلام (1869)، وآنا كارينينا (1877)، اللتين تعتبران من بين الروايات العظيمة. ولم يكن مفاجئا أن تولستوي أصبح بعد كتاب��ه هاتين الروايتين احد أشهر الكتّاب في العالم.
لكن برغم كلّ هذه الشهرة والانجازات الكثيرة، مرّ تولستوي بعد كتابته "آنا كارينينا" بما يُسمّى أزمة منتصف العمر. وقرّر انه لن يستطيع الاستمرار في العيش ما لم يجد للحياة معنى. ولم تنته تلك الأزمة إلا بعد أن تحوّل جذريا عن المسيحية. وهي تجربة غيّرت كلّ أفكاره تقريبا. وقد أعلن عن تحولّه ذاك عام 1881 في كتاب اسماه "اعترافات". في مقطع من ��وميّاته التي كتبها آنذاك، يقول تولستوي: الموت الهادئ تحت تأثير طقوس الكنيسة هو مثل الموت تحت تأثير المورفين".
بعد ذلك توقّف تولستوي عن النظر إلى نفسه كفنّان وبدأ يكتب عن الدين والسياسة، وأصبح يدعو إلى اللاعنف والحياة البسيطة. كما أخذ أتباعه يتردّدون على ضيعته لسماع آرائه عن الحياة والوقوف على تجاربه في تطبيق أفكاره المثالية.
"موت إيفان إيليتش" كان أوّل عمل أدبيّ مهم كتبه تولستوي بعد تحوّله الديني. والرواية، بالإضافة إلى كونها مواجهة قويّة مع مشكلة الموت ومعنى الحياة، تنطوي كذلك على سخرية حادّة من أسلوب حياة أفراد الطبقة الوسطى الحديثة كما يجسّدها إيفان إيليتش. كان تولستوي يراقب موقف هؤلاء من الحياة وهو يتشكّل في أيّامه. وكان يعتقد أن الذين يتبنّون هذه النوعية من الحياة غير قادرين على مواجهة الموت لأنهم لم يفهموا الحياة.
بعض القرّاء أعجبوا بالرواية بسبب رسالتها الأخلاقية القويّة. لكن آخرين رأوا فيها بداية النهاية لـ تولستوي كفنّان، وأنه بمجرّد أن بدأ يلعب دور الواعظ الأخلاقي، فقدت كتاباته تعقيدها ووهجها وأصبحت ذات بعد واحد.
رسالة تولستوي في "موت إيفان إيليتش" تقول: من السهل أن تنسى الموت في خضمّ انشغالك بالرياضة والمدرسة والمواعيد والأعمال اليومية الروتينية. ومع ذلك فإننا جميعا في طريقنا لأن نموت في وقت ما. وحتى لو لم يقع لنا حادث سخيف يؤدّي بنا إلى مرض طويل كما حدث لـ إيفان إيليتش، فإننا ما نزال نواجه الموت. إن من السهل نسيان الموت عندما يبدو كلّ شيء على ما يرام. وهذا هو السبب في أن إيفان لم يكن يفكّر فيه. ولكن هذا لا يهمّ. فالموت زحف إليه عندما لم يكن يتوقّعه.
العمق السيكولوجي لهذه الرواية ربّما يساعدنا في أن نتفهمّ ما يمرّ به أناس كثيرون عندما يموتون. يقول إيفان لأطبّائه في احد أجزاء الرواية: إنكم تعرفون جيّدا أنكم لن تتمكّنوا من فعل أيّ شيء لمساعدتي، لذا اتركوني وشأني". فيجيب احدهم: نستطيع أن نخفّف من معاناتك. فيردّ إيفان قائلا: لا يمكنكم حتى أن تفعلوا ذلك. فقط اتركوني وشأني"!
إيفان إيليتش كان يلعب دوره المرسوم له سلفا في الحياة. كان ناجحا جدّا في عمله. لكنه، كقاض في المحكمة، لم يكن لديه سوى القليل من المشاعر. كان يجرّد الناس من إنسانيتهم وينظر إليهم على أنهم مجرّد "قضايا" وليس أكثر. الشكليات عنده كانت أكثر أهمّية من أيّ نوع من الشعور الإنساني. أطبّاؤه جلّ ��ا يشغلهم هو البحث في أسباب مرضه. وهم ليسوا منشغلين بما إن كان سيعيش أو يموت، تماما مثلما أن إيفان نفسه لم يكن يهتمّ أبدا بما إن كانت أحكامه القضائية منصفة أو ظالمة.
إيليتش يشير في الرواية إلى انه تزوّج لأن المجتمع كان يريد ذلك. وهو يقرّ بأنه لم يكن يحبّ زوجته حقّا. كان يظنّ أن الزواج أمر مناسب فحسب. حياته العائلية استمرّت في التفكّك، لكنّه كان يتجاهل هذا دائما. كما أصبح مهووسا بالأشياء المادّية. ودائما ما كان يركّز على إثارة إعجاب المجتمع به وتحقيق الراحة والمكانة الشخصية، وليس على رفاه عائلته. وفي الساعات الأخيرة من حياته، يدرك إيفان انه كان على خطأ طوال الوقت. وبدلا من الصعود في الحياة مثلما كان يظنّ، كان يتّجه إلى القاع.
في نهاية الرواية، يموت إيليتش على الرغم من جهود طبيبه الماهر والمحترم، ولكن ليس قبل أن يحقّق قدرا من الخلاص. كما انه يجد على بعض العزاء في اعتقاده بأن موته من شأنه أن يخفّف من معاناة عائلته والقائمين على رعايته.
نموذج تولستوي من الوجودية يظهر في هذه الرواية في أجلى صُوَره. الفكرة الوجودية القائلة بأن "الوجود يسبق الجوهر" تعني أن وجود الإنسان لا هدف له ولا معنى محدّدا سلفا، وإنما يُخلق كلّ إنسان ومعه حرّيته في الاختيار. أي أن الوجود هو في النهاية ضرب من العدم. وإذا كنّا نبحث عن معنى خارجي، ثابت ونهائي، فإن عملية البحث هي في حدّ ذاتها عقيمة وعبثية. السبب في موت إيفان إيليتش كان سقوطه من على سلّم نقّال بينما كان يعلّق ستارة. وجزئية الستارة، كونها المتسبّب في سقوطه ومن ثمّ موته، تعكس هذا النوع من العبث الوجودي.
نظرية تولستوي الجمالية تعكس المعتقدات الدينية التي أصبح يعتنقها بعد أزمته العميقة المتعلقة بمعنى الحياة وحتمية الموت. و"موت إيفان إيليتش" كان أوّل كتاب أصدره بعد أن خرج من فترة الأزمة والتحوّل.
غيراسيم، خادم إيفان، مزارع بسيط وعلى الفطرة. وهو الشخص الوحيد الذي يشفق على إيفان إيليتش ويتلمّس احتياجاته ويلبّيها. انه يمسك بساقيه كي يخفّف ألمه، وأحيانا يظلّ على تلك الحال طوال الليل. إيليتش يشعر بتحسّن في حالته عندما يلمسه خادمه، ما يوحي بأن ليس هناك ما هو أقوى من تأثير اللمسة الإنسانية. وليس من قبيل الصدفة أن يكون غيراسيم هو الشخصية الوحيدة التي تعترف بأننا جميعا سنموت وأن الأمر في النهاية لا يمثّل مشكلة. انه يجسّد الإيمان البسيط والأخوّة الإنسانية والصدق، أي القيم التي كان تولستوي يثمّنها في الحياة وفي الفنّ ويربطها بالفلاحين.
كان تولستوي يجد معنى في الحياة البسيطة للفلاحين وفي إيمانهم البسيط بالله. وقد تخلّى عن الأشياء الدنيوية وعن الجنس والكحول. بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما بدأ يصنع أحذيته بنفسه.
تولستوي يشير في هذه الرواية إلى حقيقة سيكولوجية، وهي أن معظم الناس يعتقدون أنهم لن يواجهوا الموت مع انه قد يحدث لغيرهم. وهم ميّالون لأن يَظهرو�� أمام الآخرين بطريقة مناسبة ولائقة. لذا فإنهم يزيحون جانبا كلّ الأشياء غير المريحة من خلال تجاهلها ببساطة.
تولستوي أيضا يوضّح أن المجتمع لا يأبه كثيرا بالعواطف الإنسانية. وهذا هو السبب في أن الناس يصبحون باردين وبلا مشاعر.
الموت، حسب تولستوي، يحدث لنا جميعا، حتى لو كانت تلك حقيقة غير سارّة. وعندما يواجه الناس هذه الحقيقة فإنهم يدركون أن لا شيء يعوّض عن الترابط الإنساني والتعاطف مع الآخرين. وإذا ما فطن الناس إلى هذه الحقيقة، فإن باستطاعتهم أن يتجاوزوا عقدة الخوف من الموت وينظروا إلى ما هو ابعد منه.
بعض النقّاد يعتبرون "موت إيفان إيليتش" أشهر روايات تولستوي بعد "الحرب والسلام" لسبب وجيه. فهذه الرواية هي من أكثر الأعمال الأدبية تعذيباً وإثارة للأسئلة. إنها عبارة عن تحديق في هاوية سحيقة؛ ليست الموت فحسب، وإنما أيضا ال��بيعة البشرية نفسها.
وقراءة الرواية مسألة ضرورية، ليس لأنها مَعلَم أدبيّ كبير فحسب، وإنما أيضا لأنك، إن لم تقرأها، فستفقد جزءا من صورة ما يعنيه أن تكون إنساناً.
1 note
·
View note
Quote
سلام في روح المحبة والاتضاع بناء على طلب البعض في أن تكون العظات مسموعة ومكتوبة، فهذا هو الجزء الأول من عظة يوم خميس العهد مسموعة ومكتوبة، وسوف يتم وضع كل جزء مسموع ومكتوب: https://www.youtube.com/watch?v=aL7C81wp9hk (العظة الأولى) يوم الخميس يوم السر العظيم يوم الوصية الجديدة والعهد الجديد القائم على دم حمل الله وصلاة جثسيماني واختتام اليوم بقبلة غاشة أولاً مُسميات هذا اليوم العظيم يُسمى هذا اليوم في الكنيسة القبطية [يوم خميس العهد]: وَكَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً: هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ (διαθήκη = عَهْد؛ مُعَاهَدَة؛ مِيثاق) الْجَدِيدُ (καινὴ = بِكْر؛ جَدِيد – وجديد هنا تحمل معنى جودة عالية فائقة) بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ (لوقا 22: 20) الجديد = عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِناً لِعَهْدٍ أَفْضَلَ؛ وَلَكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضاً لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ (عبرانيين 7: 22؛ 8: 6) وهنا نرى تأسيس عهد جديد أعظم وأفضل تثبت على مواعيد أفضل، وهو خميس البركة الجديدة عوض البركة القديمة التي تختص بهذا العالم، فالأولى تنتهي بالموت والثانية تمتد – حسب طبعها – للأبدية. فقد تأسس العهد الجديد بدم في كأس البركة، هو دم مسفوك يختص بحمل الله رافع خطية العالم، قبل أن يُرفع على الصليب، لا ليُلغي الدم المُهرق على الصليب، بل ليربُط فعل سرّ الإفخارستيا (سرّ الشكر الحقيقي) الذي أكمله بنفسه ككاهن، بفعل الصليب الذي أتمه بإرادته ومسرة أبيه كذبيحة، وقام ودخل به إلى الأقداس العُليا كرئيس كهنة عظيم، وبالطبع علينا أن نُدرك أن شخص المسيح الرب هو الله الظاهر في الجسد، أي اللوغوس الذي اتخذ جسداً وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، فبكونه إله ويحمل كل ما للألوهة في ذاته، فقد قدم لنا دمه المسفوك الذي صار فوق الزمن بفعل الألوهة، لذلك قال الرسول بحس لاهوتي مُلهم: فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (عبرانيين 9: 14) وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً (عبرانيين 9: 12) عموماً فالخبز كان في يد شخص ربنا يسوع ابن الله الحي جسده المبذول من أجل كثيرين، قبل أن يُسلم ليُصلب ويدقوا في يديه المسامير، والخمر في يده (كأس البركة) قبل أن تنفذ في جنبه الحربة على الصليب ليسيل منه دمٍ وماء غفراناً أبدياً لكل العالم، ولذلك لا نستطيع ان نفصل أبداً بين جسد المسيح المُعطى لنا في سرّ الإفخارستيا على المذبح الجديد، وجسده المبذول على الصليب، كما لا نقدر أيضاً أن نُفرق أو نصنع أدنى انفصال بين دم كأس العهد الجديد ودم الجنب المطعون والمسفوك ايضاً من يديه ورجليه ورأسه، لأن الرب أكمل على المستوى السري ما سيحققه على المستوى العملي، حتى تصير ذبيحة المسيح الرب ذبيحة واحدة، وفعلها واحد، لأنها في حقيقتها إلهية بالدرجة الأولى لا يحدها الزمان أو يحصرها المكان، لذلك الرب بارك وقسَّم وأعطى، وهكذا صارت البركة عبر الأجيال كلها ممتدة بفعل نطق الرب يسوع هذا الذي صرنا نقوله في كل قداس إلى هذا اليوم. فهذا اليوم هو يوم العهد بالتالي هو يوم البركة بشكل خاص: وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. (متى 26: 26 – 28) [كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ (1كورنثوس 10: 16)] + الأصل اليوناني لكلمة بركة في الكتاب المقدس = εύλογία = eulogia = أولوجية وهي تعني: يتحدث حسناً أو كلام حسن وصالح، يمجد، يمدح، سلام، يشكر (إفخارستيا)، يسبح، والكلمة عادة تعبر عن المحبة. والكلمة (بشكل خاص) تعني يمنح بركة بقوة، بمعنى اكتساب قوة نافعة. والمعنى العبري في العهد القديم، يفيد معنى عهد قائم، فلا وجود لبركة بلا عهد، إذن فالبركة من الله قائمة على عهد، ودائمة بوعد، وهي قانون روحي قائم بذاته ويعمل من تلقاء ذاته لأنه خرج من فم الله كقوة فعل لا ينحل، وهو صادر عن أمانة الله لعهده ووعده، ولا تستقر إلا عند من كان أميناً على عهد الله ووعده. عموماً نجد مضمون الصلاة في العهد القديم سواء على أفواه الآباء والأنبياء أو حتى في طقس الهيكل والمجمع، تقوم على أساس نوعين من الصلاة الأولى: صلاة البركة، وتُسمى ((بيراكوث)) وتُرجمت في الترجمة السبعينية ((أولوجية)) ووضع فيها عنصر الشكر والتسبيح والتمجيد. الثانية: صلاة التضرع، وتُسمى ((تفليه)) وهي تقرب من معنى الشفاعة وكلها توسل. عموماً هذا السر العظيم، سرّ الشكر، هو احتفال ليتورجي بسرّ الخلاص العظيم، وهو مركز اهتمام كل مسيحي في العالم أجمع مهما ما كانت طائفته، لأن فيه يكمن سر العبادة المسيحية كلها، لأن عبادتنا هي شركتنا مع بعضنا البعض ومع الله، لأن مفهوم العابدة صار له منطق عميق جداً، لأنه يعتبر سرّ الشركة، ومن هنا جاء المُسمى [ليتورجيا] وهي تتكون من مقطعين (ليؤس) أي شعب، و (إرغون) أي عمل، فيكون معنى الكلمة بشكل عام (عمل شعبي)، لكن لها معناها الخاص في الكنيسة وهو عمل كنسي مُشترك، من ناحية أننا أعضاء لبعضنا البعض في جسد واحد، لنا رأس هو شخص المسيح، فهنا العبادة تتميز بشكل منفرد من ناحية شركتنا مع القديسين والله في النور، فنحن نجتمع مع كل الجسد، منظور وغير منظور ملتفين حول يسوع المركز والرأس، لنشترك في كأس مسيح الله، كأس البركة، وفي جسد الحياة، جسد يسوع القائم من الأموات والجالس عن يمين العظمة في الأعالي، فنحن نقتات على الحياة لأنه قال: من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير؛ من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه؛ كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي. (يوحنا 6: 54؛ 56؛ 57) إذاً حينما يأتي أحد اليوم ويسخف هذا السرّ العظيم ويقول بلا فهم ولا وعي، أننا نأكل أعضاء مادية (صباع - عين - قدم.. الخ) أو نتناول ما ينتهي منا بالهضم ويتكلم على موضوع الاحتراس وغيره من أشياء تدل على عدم انفتاح البصيرة بالروح، وعدم وضوح الإيمان مسيح القيامة والحياة، أو يتحدث بلغو كلام باطل ببحث على مستوى العقل والتفكير الفلسفي ماذا نأكل في الإفخارستيا، فأنه يترك لنا دلالة أنه لم يدخل بعد في سرّ الإيمان الحي، ولم يتناول على مستوى الشركة الحقيقي مع الله. يا إخوتي انتبهوا أرجوكم، هذا السر عظيم جداً بما لا يُقاس، فلنتناول بلا فحص ونشوه هذا السرّ العظيم المُعطى لنا بتدبير فائق، فنحن نتناول الحياة ونحيا في سرّ الشركة لا كلاماً بل على مستوى الاتحاد السري بالعريس السماوي، فهذا هو سرّ الاتحاد الحقيقي بيننا وبين حمل الله رافع خطية العالم، وكل مرة نتناول منه نثبت فيه وهو فينا، ونتأصل في الحق أي في شخصه العظيم القدوس، فنحيا لا في معزل عنه، بل فيه وهو فينا، لأن هذا هو التصاقنا الداخلي به، فهو فينا ونحن فيه لا كلاماً إنما فعلياً، فانتبهوا لسرّ شركتنا، لأن كل عبادتنا شركة، وشركتنا حياة الله فينا، فلا أحد يستطيع ان يحيا بمعزل عن الله الحياة، لأن كل من ينعزل عنه يموت، ونحن قائمين فيه وهو فينا، لأن حتى صلاته ليكونوا واحداً فينا، وكيف نكون فيه بدون هذا السرّ العظيم الذي للتقوى؟ فاستفيقوا واعرفوا طبيعة شركتنا مع الله ووحدتنا معه على مستوى التناول من سرّ الإفخارستيا. يتبـــــــــع
https://www.orsozox.com/forums/showthread.php?t=82930&goto=newpost
0 notes
Text
الختان في الديانة المسيحية
الختان في الديانة المسيحية
د.حكمت سفيان
تحدث الكتاب المقدس عن ختان عيسى فورد في إنجيل لوقا :
“After eight days had "
passed, it was time to circumcise the child; and
he was called Jesus, the name given by the angel
before he was conceived in the womb. When the
time came for their purification according to the
law of Moses, they brought him up to Jerusalem
to present him to the Lord” (Luke 2:21–22)
" بعد أن مضت ثمانية أيام , حانت ساعة الختان , ودعي الطفل يسوع ,وهو الاسم الذي منحه إياه الملاك قبل أن يحمله الرحم , وعندما أزفت ساعة طهورهم طبقاً لشريعة موسى , أتو به إلى أورشليم القدس ليقدموه للرب"
لوقا.
و عند الختان منح ذلك الطفل اسماً عبرياً هو " يسوع " Jeshua \Yeshua, و الذي يعني " المخلص" .
إن ختان عيسى لم يتم داخل المعبد و إنما تم خارج المعبد نظراً لأنه لم يكن ينتمي إلى الطبقات العليا في المجتمع.
بعد ولادة المسيح بتسعة عشر عاماً طرد تيبيريوس Tiberius اليهود من روما , و خلال حكم كاليغولا Caligula أحرقت المعابد اليهودية , وبعد سبعين عاماً من ولادة المسيح حاصر تيتوس Titus القدس و دمر المعبد , وخلال حكم أنتيوكوس إيبيفانيس Antiochus Epiphanes لسوريا تم تجريم الختان و اعتبر جريمةً كبرى تعاقب بالموت , وقد جاء في كتاب " مكابي" Maccabees:
“…two women were brought in for having circumcised their children. They publicly paraded
them around the city, with their babies hanging at
their breasts, and then hurled them down headlong
from the wall” (2 Maccabees 6:10).
" أتي بامرأتين كانتا قد اختتنتا أطفالهما و عرضوا في موكبٍ سار بهما حول المدينة بينما كان أطفالهن متعلقين بصدورهن , ومن ثم تم رميهن من أعلى السور بلا تردد".
و خلال تلك الفترة كان المسيحيين الأوائل ينظرون إلى الختان باعتباره جانباً رئيسياً في تحقيق الخلاص المسيحي.
اعتبر إنجيل متى (Matthew 16:18) بطرس Peter بأنه التلميذ المختار من بين تلامذة المسيح لقيادة الكنيسة الجديدة , وقد اعتبرت التقاليد الكاثوليكية بأن بطرس هو أول بابا .
لقد اعتبر بطرس و أتباعه من المسيحيين الأوائل بأن مهمتهم ليست تأسيس ديانة جديدة و إنما تنقية الديانة اليهودية و الحفاظ على تقاليدها كالختان .
غير أن التغيير أتى على يد بولوس Paul أو ش��ؤول الطرسوسي of Tarsus Saul , فبعد أن رفضه المسيحيين الأوائل و بعد أن اعتبروه غير أهلٍ للثقة قرر نشر دعوته بين الرومان , و في محاولة منه لكسب الرومان فقد اعتبر الختان أمراً غير ضروريٍ للخلاص المسيحي , و بدأ يدعوا إلى ما سماه " ختان القلب " أو " طهور القلب" .
و قد جاء في رسائل بولوس : “For in Christ Jesus neither
circumcision nor uncircumcision counts for any-thing; the only thing that counts is faith working
through love” (Galatians 5:6).
" فبالنسبة ليسوع لا الختان و لا عدم الختان يعنيان أي شيء, فالأمر الجوهري هو الإيمان الذي يتحقق عن طريق الحب " رسائل بولوس.
إن بولوس لم ينسى نبذ المسيحيين الأوائل و رفضهم له و شكهم فيه و لذلك فقد بدأ يدق إسفيناً بين أتباعه و بين المسيحيين الأوائل الذين نبذوه و رفضوه و ذلك من خلال مهاجمته للختان واصفاً أتباعه بأنهم المختتنين الحقيقيين بينما المسيحيين الأوائل هم :
“dogs…evil workers…who mutilate the flesh!”
(Philippians 3:2).
" كلاب , فاعلي سوء ... يشوهون اللحم "
و أعقب ذلك تصدع الكنيسة ما بين بطرس و بولوس بعد 49 عاماً من ولادة المسيح , فعند لقاء عدين الإثنين رفض بطرس تناول الطعام مع بولوس واصفاً إياه بأنه غير طاهر بسبب اختلاطه مع الوثنيين ( اتباعه) و بسبب ابتعاده عن العادات اليهودية التي اتبعها المسيح و المسيحيين الأوائل كعادة الختان.
و خوفاً من تصدع الكنيسة فقد انعقد المجلس الكنسي الأول بعد خمسين عاماً من ولادة المسيح و قرر ذلك المجلس عدم التمسك بالختان كما قرر السماح لبولوس بالاستمرار في العمل التبشيري بين الوثنيين دون إلزامه باتباع تقاليد المسيحيين الأوائل كالختان.
وفي العام 70 بعد الميلاد هاجم الإمبراطور تيتوس Emperor Titus القدس و طرد اليهود من الأرض المقدسة Holy Land و دمر معبد أورشليم Temple of Jerusalem و كانت نتيجة ذلك مادعي بيهود الشتات Jewish Diaspora و وهو الشتات الذي استمر منذ ذلك التاريخ و لغاية العام 1948 .
وواكب ذلك الانحدار الذي حل بالمسيحيين الأوائل ازدهارٌ لأعمال بولس في أوروبا حيث اعتنق الإمبراطور قسطنطين Emperor Constantine الديانة المسيحية بالشكل الذي صنعه بولس , و تلى ذلك إعلان مرسوم ميلان Milan Edict of في العام 313 , وفي العام 391 أعلن الإمبراطور ثيودوسيوس الأول Emperor Theodosius I بأن الديانة المسيحية هي الديانة الرسمية لأوروبا الغربية .
كان أمبروزAmbrose أسقف ميلان Bishop of Milan في القرن الرابع من أهم المؤثرين أو المشكلين للديانة المسيحية , وما يهمنا هنا أن القديس أمبروز فسر ختان المسيح Jesus’ circumcision على أنه شكلٌ من أشكال الخلاص المرتبط بالألم :
“Since our Lord Christ suffered, seeing that the
ransom is now paid for all, there is no longer any
need that the blood of every man one by one
should be shed by circumcision, for in the Blood
of Christ the circumcision of all has been solemnized, and in His Cross we all are crucified
together with Him”
" منذ معناة سيدنا المسيح فإن الفداء قد شمل كل شيء , ولم تعد هنالك أي حاجة لأن يراق دم أي شخصٍ في الختان , فإن ختان المسيح كان ختاناً مقدساً لنا جميعاً , كما أنه عندما صلب المسيح فإننا جميعاً قد صلبنا معه".
و كان ذلك هو التأويل المسيحي لختان المسيح , و بهذا الشكل فقد أبدل القديس أمبروز الختان بالمعمودية Baptism.
كما اعتبر القديس أمبروز بأن الختان لا يناسب من لا ينحدرون من ذرية إبراهيم Abraham.
كان الأقباط Copts من الطوائف المسيحية التي كانت تمارس الختان , غير أن البابا يوجينوس Pope Eugenius أعلن بأن هنالك اختلافاتٍ لاهوتية لا يمكن تسويتها بين الأقباط و بين الكنيسة الكاثوليكية في روما , وكان الختان أحد تلك الاختلافات.
و بعد صعود المسيح إلى السماء فإنه قد ترك جزءاً واحداً منه على الأرض وهو قلفته عندما اختتن عندما كان طفلاً , وعلى مر التاريخ فقد ادعى عدة أشخاص امتلاكهم لقلفة المسيح Jesus’ foreskin , ومن هؤلاء الأشخاص تشارلمان Charlemagne الذي ادعى امتلاكه لقلفة المسيح و قد أهدى هذا الأثر للبابا ليو الثالث Pope Leo III مقابل أن يكلله البابا إمبراطوراً .
و كذلك فإن الملك هنري الخامس King Henry V قد حصل على قلفة من رهبان شارت Monks of Chartres ظناً من بأن تلك القلفة ستزيد من خصوبته و ستمنحه وريثاً.
و في العام 1557 عثر على قلفة في كالكاتا Calcata في إيطاليا .
وفي العام 1900 هدد الفاتيكان بتكفير كل من يتكلم عن تلك القلفة أو يبجلها , ومع ذلك فقد استمر عرض و تقديس تلك القلفة في الأول من شهر كانون الثاني January كل عام إلى أن اختفت تلك القلفة بشكلٍ غامض في العام 1983 .
�
0 notes
Photo
#لماذا_يكره_النصارى_الرسول_محمد_صل_الله_عليه_وسلم ؟ بصراحة لقد فجعت في حجم الكراهية التي يكنها المسيحيون لرسول الإسلام محمد عليه الصلاة و السلام.. بالطبع فهو المؤسس للحضارة الإسلامية و التي منحت السلام للعالم لمدة عشرة قرون فيما يعرف باسم Pax Islamica. لماذا إذن يكره المسيحيون محمدا؟ و الأولى أن يحبوه و يوقروه لعدة أسباب: ⏬⏬ 1⃣ محمد عليه الصلاة والسلام ظهر في زمن انهيار الكنيسة المسيحية و تفاقم الصراع بين أبناء الدين المسيحي و الذي كان على وشك التحول إلى حروب دينية عظمى (مثل تلك التي شهدتها أوروبا لاحقا) تهلك الحرث و النسل. و لكن ظهورمحمد عليه الصلاة والسلام قد ساهم بشكل مباشر في وأد ذلك الصراع عن طريق نشر الإسلام و الذي عزل جغرافيا المذاهب المتناحرة و قلل من فرص تقاتلها. فشكراً لمحمدصل الله عليه وسلم 2⃣ التسامح الديني الذي علمه محمد عليه السلام كان كفيلا بحماية الأقليات المذهبية المسيحية من بطش الأغلبيات المخالفة لها في المذهب (مثل حماية الأورثوذوكس الأقباط من بطش الكاثوليك الرومان). و لولا محمد عليه السلام لاندثر المذهب القبطي كما اندثرت الكثير من المذاهب تحت بطش سيوف الرومان.......فلماذا يكره الأقباط محمداً صل الله عليه وسلم ؟ و قد أنقذ مذهبهم و أنقذ أرواحهم من الهلاك؟ 3⃣تحرير البشرجميعا من عقدة الذنب التي أغرقتهم فيها اليهودية و مسيحية القرون الوسطى. حيث افترضت تلك الديانات أن خطيئة أدم قد انتقلت إلى ذريته و أننا جميعا بحاجة لمن يخلصنا من تلك الخطيئة. و أن الخلاص من تلك الخطيئة لا يكون إلا بالتضحية بالدم. و لكن محمداصل الله عليه وسلم قد قضى على كل السخافات بعودته للفلسفة الطبيعية البسيطة (و التي كان يسميها بالفطرة)....و هذه الفلسفة منتشرة في الأديان السابقة على اليهومسيحية، و تؤكد على أن الإنسان يولد طيبا مبرأ من كل إثم و خطيئة و أنه لا يحمل وزرا (إلا ما جنت يداه). و قد كان لتلك الفلسفة دورا رئيسيا في دفع البشرية للتقدم بعد تحريرهم من عقدة الذنب اليهومسيحية. فشكراً لمحمدصل الله عليه وسلم 4⃣ المفترض أن المسيحية هي دين الحب بين كل البشر. و المسيح يدعو إلى حب الجميع بلا تفرقة (أحبوا مبغضيكم......باركوا لاعنيكم)............فلماذا لا يطبق المسيحيون تعاليم ربهم تجاه محمد عليه السلام؟ في المقابل.....محمد عليه السلام أظهر كل الإحترام للمسيح و أمه. بل و أظهر الإحترام للمسيحين من معاصريه (ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون)فلماذا كل هذا الحقد و الكره لرجل أظهر لكم كل هذا الود و الإحترام؟؟ لماذا كل هذا الكره لرجل......لولا وجوده لاندثرت
0 notes
Photo
إن عاد ابني فليرث.... كان لأب تقي ولد عاق وفي إحدى الليالي عاد للبيت وقميصه ملطخ بالدم وحين سأله والده عن السبب.. عرف أنه قتل صديقه بسبب مشاجرة حصلت بينهما .. فطلب منه الأب أن يترك البيت فورا"و أن يخلع القميص الملطخ بالدم وأعطاه قميصا"آخر وطرده من المدينة كلها... وفي الصباح ذهب الأب وسلم نفسه معترفا" بجريمة لم يرتكبها وحين رأوه لابسا"قميص الجريمة حكموا عليه بالموت وقبل أن ينفذوا الحكم كتب وصيته... (إن عاد ابني للبيت يرث كل ما أملك لقد دفعت كامل الثمن).... تأمل روحي هذه هي قصتنا مع الله آدم أخطأ بحق الله الآب.. فطرده من الفردوس(فمات موتا" روحيا" سبب له الموت الجسدي له ولنسله) كيلا يمد يده لشجرة الحياة(فيحيا في خطيئته للأبد) بعد أن أكل وحواء من شجرة معرفة الخير والشر... وجده عريانا" فكساه بجلد حيوان ذبحه وطرده من وجهه بعد أن دبر له خطة للخلاص ولما جاء ملئ الزمان وتجسد بالجسد فلبس ثوب خطايانا وذهب للصليب حيث الحكم والموت الجسدي.... وكان شرطه (وصيته)كل من يؤمن به يحيا ولا دينونة بعد على الذين هم في المسيح والذي يعود لحضن الكنيسة يرث الحياة الأبدية ولا يبقى ميتا" روحيا" بل لا يذوق الموت الثاني (الموت الأبدي)أيضا" إذا"هناك ثلاث أنواع للموت (الروحي.... الجسدي..... الأبدي) 1_الموت الروحي (الموت الأول): هو الأنفصال عن الله وقطع الشركة معه بسبب الخطيئة الأولية وعدم قبول عمل المسيح الخلاصي وحين قال المسيح :(دعوا الموتى يدفنون موتاهم) كان يقصد الموت الروحي لليهود الذين رفضوا المسيح وحين قال في مثل الأبن الضال :كان ميتا"فعاش. ... أي كان ميتا"روحيا"بالخطيئة ولكنه حين تاب وعاد... فخلص 2_الموت الجسدي: هو أنتهاء الحياة الأرضية بانفصال الروح عن الجسد... وهو نتيجة حتمية للخطيئة... وللمؤمن هو عبور من الموت للحياة أما للميت روحيا"فهو عبور للهلاك الأبدي .... 3_الموت الأبدي (الموت الثاني) :هو الأنفصال الأبدي عن الله والطرح في جهنم النار الأبدية وحين خلق الله الإنسان لم يكن في خطته الموت الجسدي مثله مثل الألم والضيقات ولكن الإنسان أختار العصيان والوقوع في الخطيئة... فكان عدل الله يقضي بموته لذا الموت الجسدي هو نهاية الفرص للخلاص فمن يؤجل خلاصه هل يعرف متى يباغته موت الجسد... وبالموت الجسدي يدخل الإنسان مرحلة الدينونة إما للحياة الأبدية أو للموت الأبدي.. فأيهما يجب أن نختار؟؟؟؟؟؟؟ ربي ويسوعي الحبيب يامن جئت للعالم لتلبس ثوب خطيئتي عصيتك.. فدبرت الخلاص لتحرر عبوديتي رضيت بصليب الذل والعار لتعيد بنوتي اخترت الموت الروحي بإرادتي فلحقني الموت الجسدي والأبدي
0 notes
Photo
✧ 🌙 ✧༺༻ ∞نبض💫الكون∞ ༺༻✧ ☀️ ✧ . . ✩࿐ ☀️♓🌙 ࿐✩ . . ✨ ترمز الدرجة (٤° ♓ ٥°) التي يحدث فيها قمرنا الجديد في الحوت إلى "بازار الكنيسة" أو مثله، فيما يتم حول المسجد 💫 مما يشير إلى أن رموز الكنيسة و المسجد ("الله" ؛ "الإيمان" ؛ "الخلاص") هي موجودة دائمًا حتى في معظم الأنشطة/المُعاملات البشرية المادية ؛ والقمر الجديد في برج الحوت هو تذكير رائع بذلك ؛ فهذا هو الحدث الذي يكون فيه الأفراد أصحاب نفس التوجه/المزاج/العقلية (قد نقول، متناغمين روحيًّا مع بعضهم البعض) يشتركون في إطار الإعتقاد المشترك حول الطريقة "الصحيحة" للعيش ويجتمعوا عاملينَ بالمشاركة لأعمالهم اليدوي، وإبداعاتهم، في احتفالٍ مُقَدَّس من الزمالة! . لا حرج في ذلك، أليس كذلك!؟ 💫 فيما عدا كَمّ و كَيْف نختبر، نتعلم، أو نطور معتقداتنا إذا ما كنا نحيط أنفسنا فقط بالآخرين الذين يشاركوننا وجهة نظر "متطابقة" مع رؤيتنا!؟ . ويأتي هذا القمر الجديد ليحثنا على البحث في العالم الأوسع ؛ بينما نسعى لتحقيق القواسم المشتركة، (على سبيل المثال، الجنس البشري برمته!)، أو تلك السِّمات المشتركة التي نتشاركها مع الكائنات الحية الأخرى، 💫 بدلاً من تقليص عالمنا كله إلى "آخرين يشبهوننا أكثر من غيرهم!" ؛ ويشير هذا القمر الجديد إلى الحاجة لتجربة جديدة بالتوسع مع الآخرين مِمَّن هُم في مجموعات "لا تشبهنا" ! . إحضار الضمير والوعي إلى السوق يمكن أن تدار الأموال دون سموم الجشع لأن التجارة غالبا ما تنطوي على المال، فإن احتمال الجشع أقوى ؛ كما أنَّ تخزين فوائض العُملة أسهل بكثير من تخزين الطعام ؛ ومن خلال جلب التركيز الروحي لمثل هذه المُعاملات الدنيوية، يمكننا أن نذكر أنفسنا بأنه يمكن العثور على القدسية في كل الأشياء، ومن ثم، فإننا نكون أقل عُرضة أن نفقد أنفسنا في جوانبها الأكثر ظُلمة . يشير هذا الرمز إلى أننا وخلال هذه الممارسة تستفيد مساعينا من تنمية اتصالات جديدة وتعزيز الولاءات القديمة . إنَّ المجتمع يزدهر من خلال مؤسساته وأحداثه الإجتماعية ؛ ويجتمع فيه الأفراد حيث يتم تنفيذ ولاءاتهم الهامة من خلال مشاركاتهم في هذه المسؤوليات والأنشطة المشتركة ؛ حيث يلتقي المرء فيه بجيرانه، ويحتفل ويكتشف الصداقة . وفي حين أن الإتصال غير ملحوظ، إلا أنه يمنحنا جميعًا فُرصة للاستمتاع ليس فقط بدفء الزمالة، ولكن أيضًا بقدرات الإنجاز الهرمية . يُنظم المجتمع نفسه من أجل الرفاهية العامة للأعضاء المساهمين، ولكل واحد منا القدرة الفطرية على الاستفادة من الولاءات الدائمة التي تتطور داخل ذلك ؛ بينما نكتسب قدرًا أكبر مما نمنحه وما نتلقاه ؛ خلال عملا خيريا كهذا ! . . . https://www.instagram.com/p/B841AvMHAh3/?igshid=16xzhvr8jqkxl
0 notes
Photo
مذبحة لشبونة.................. . وصف المؤرخ “دون جومس واسيلڤا” مذبحةً حدثت في “لشبونة” عاصمة بلاد البرتغال أيام الملك “مانويل الأول” سنة 1506م من شهر أبريل الموافق ل 16 من ذي القعدة 911ه وكان يوم عيد الراعي الصالح عند النصارى. يقول المؤرخ: “لما أصبح الصباح على “لشبونة” أخذت أجراس كل الكنائس تصلصل صليلاً متواطئاً بطيئاً يدخل الحزن على النفس رغم جمال ذلك اليوم وشمسه الساطعة وكان يوماً من أيام الربيع البديع. وإذا ما نظر إنسان إلى العاصمة، رأى بحراً متحرّكاً من رؤوس البشر، وهم جموع غفيرة من الأهلين جاؤوا ليحضروا الإحتفال الديني، وقد اعتم كل بعمامة تباين عمامة الآخر، وتعصبّوا بعصابات مختلفة متلونة، فمن اعتنق المسيحية وهو مكره كانت عصابته حمراء وهم من أجبرهم ديوان التفتيش على الكثلكة من المسلمين واليهود، والذين أُجبروا أيضاً على حضور الاحتفال لإظهار حسن نيتهم مع الدين الجديد. كان ذلك البحر الزاخر من الناس يموج ويعلو كالأمواج ويرتطم عند باب الكنيسة الكبير، وهناك أقيم حوض كبير من الرخام فيه الماء المقدس، فكان الناس يغمسون أيديهم ويرسمون إشارة الصليب على جباههم، أفواجاً أفواجاً. وأقيم في وسط الساحة مذبح كبير غُطّى بالمخمل المذهب، تحيط به أوان من ذهب و فضة وبلور، كل ذلك لكي تبهر عيون الناس إذا ما وقعت عليه أشعة الشمس، فأما وراء المذبح أقيم صليب كبير جداً، بمنصات عليها صور القديسين وعظامهم المزينة بالحجارة الكريمة، لتقبل توبة الخاطئين ومن لم يكن مسيحياً من قبل. كان في وسط المذبح نجمة كبيرة أسموها:”نجمة المؤمنين” أحدثت بها أشعة الشمس لمعاناً يبهر الأنظار ويحدث ألماً شديداً في عيون الناس المكرهة على التحديق فيها، فأخذ الجهلة يصيحون والكل يتبعهم: ـ اركعوا يا أهل “لشبونة”، فقد أشرق نور العذراء،أظهر مجدك يارب، وبارك المؤمنين. ثم جاؤوا بالصلبان من داخل الكنيسة وصاح أحد الكهنة مخاطباً تلك الجموع: ـ يا أيها الناس؛ إن النور الذي ترون ليس بنور العذراء، ولا هو من نور الرب بل هو نور الشمس، وقد قالت السيدة أنها لن تشرق علينا لوجود كفرة بيننا لايستحقون مشاهدة نور الإله، فأرجو (أن يزيل الرب أولئك الكفار عنا، ومن بيننا) هيا أرجوه. فصاح الشعب المتعصب بصوت هادر قائلا: “الويل للزنادقة، الويل للكفرة…” ثم نهضت تلك الألوف المؤلفة، و سارت في موكب كبير وأخذوا يصيحون بالويل والثبور وعظائم الأمور، و بالقتل لكل الزنادقة واليهود والملاحدة، فاجتمعوا على يهودي فقتلوه شر قتلة، وقتلوا كل معترض عليهم بالطعن والتمزيق،واشتد العجب و الصراخ. وسار الكهنة في مقدمة الجماهير تصحبهم صلبانهم وراية الخلاص لكي يؤججوا https://www.instagram.com/p/B2NcFitiWjN/?igshid=slusz01jejvb
0 notes
Text
كتاب الكتاب المقدس في الميزان - دكتور ادوارد يونج - استاذ العهد القديم بكلية لاهوت وستمنستر - pdf
كتاب الكتاب المقدس في الميزان – دكتور ادوارد يونج – استاذ العهد القديم بكلية لاهوت وستمنستر – pdf
كتاب الكتاب المقدس في الميزان – دكتور ادوارد يونج – استاذ العهد القديم بكلية لاهوت وستمنستر – pdf
كتاب الكتاب المقدس في الميزان
كتاب الكتاب المقدس في الميزان دكتور ادوارد يونج استاذ العهد القديم بكلية لاهوت وستمنستر – فيلادلفيا تعريب القس الياس مقار رئيس الطائفة الانجيلية بجمهورية مصر العربية عدد الصفحات : 301
محتويات الكتاب :
الموضوع
تمهيد
مقدمة المعرب
الفصل الاول…
View On WordPress
#الخلاص#العصمة#القس الياس مقار#الكنيسة#المسيحية و الوحي#الوحي#الوحي في المسيحية#دكتور ادوارد يونج#عصمة الانجيل#عصمة الكتاب
0 notes
Quote
سيرة القديس مولده وصباه: أبصر النور في أنطاكية بين سنتي 345 و349 إلا أن الدكتور أسد رستم يرجح يقول أنه ولد في سنة 345. كان والده سكوندوس قائد القوات الرومانية في سورية. ووالدته القديسة أنثوسة. توفي والده في السنة الرابعة لزواجه وكان لديه ابنة وابن. فرفضت والدته أن تتزوج بعد ترملها. وتفرغت لتربية ولديها، تربية مسيحية خالصة. فكانت تربيتهم تنضح بعفة وطهارة وإخلاص القديسة اثنوسة. فقال بها الفيلسوف ليبانيوس الوثني: "ما أعظم النساء عند المسيحيين". تهذيبه وتحصيله: درس يوحنا اللغة والبيان في مدرسة الفيلسوف ليبانيوس أشهر فلاسفة عصره ورئسي مدرسة أنطاكية. فأجاد القديس يوحنا اليونانية التي ساعدتها كثيراً في مواعظه وشروحاته. ولمس ليبانيوس مواهبه، فقال لتلاميذه مادحاً إياه: "لقد كان في ودي أن أختار يوحنا لإدارة مدرستي من بعدي ولكن المسيحيين سلبوه منا" إذ أن يوحنا أصبح قارئاً في الكنيسة في سنة 367. ودرس الفلسفة على يد انذورغاثيوس في أنطاكية أيضاً. وكان أكثر أصحابه المقربين باسيليوس الذي أصبح أسقف رفنية قريباً من مصياف. زهده وورعه: امتهن يوحنا المحاماة وبهر أقرانه بفصاحته وبلاغته. ثم رغب فجأة بتركها. وكان ملاتيوس الجليل أسقف أنطاكية يرقب تقدم يوحنا في العلم والفضيلة. فلما تيقن من زهده أحله في دار الأسقفية ثلاث سنوات ثم منحه سر المعمودية ورقّأه إلى درجة القارئ. وكان بعض المسيحيون في ذلك الوقت يهابون سرّ المعمودية خوفاً من عواقب الوقوع في الخطيئة بعدها. فآثروا تأجيل ممارسة هذا السر حتى سن متأخرة. أما سبب تأجيل معمودية يوحنا فهو أمر غير معلوم إذ لا يوجد في المراجع ما يقدم لنا الجواب. وقد تكون أحداث أنطاكية هي التي تسببت في هذا التأخر. وأراد يوحنا أن يخرج للصحراء للتعبد والصلاة والتأمل. إلا أن أمه طلبت منه أن يؤجل هذا حتى ترقد بالرب إذ لم يكن لها معيل غيره. فرضخ لطلبها، ويقول القديس في هذا الصدد: "ما كدنا -هو وباسيليوس- نبدأ بتنفيذ ما رمنا حتى تدخلت أمي، المحبوبة جداً، ضد المشروع. لقد أمسكت بيدي وقادتني إلى غرفتها الخاصة. وأجلستني، وجسلت قربي، على الفراش ذاته حيث شاهدتُ النور لأول مرة. وهنا فاضت دموعها وكانت زفراتها تقطع نياط قلبي وعباراتها العذبة الحنونة تمعن في التقطيع... ومما قالته لي: انتظر فراقي لهذا العالم، ربما يكون قريباً. لقد بلغت سناً لا يُنتظر معه إلا الموت. وعندما تعيدني إلى التراب، وتجمعني إلى أبيك، اذهب حيث تشاء؛ سافر إلى البعيد البعيد، إرم بنفسك في لجة اختيارك فعندئذ ليس من يمنعك. ولكن طالما أمك تتنفس وتتألم لا تتركها ولا تغضب الرب إلهك إذ تلقيني بلا مبرّر وبلا فائدة في لجج من الآلام أنا التي لم أصنع لك شراً. وتابعت: يا بني إذا استطعت أن تنسب لي أني أزيد همومك الحياتية فأنت حرّ من شرائع الطبيعة. دُسها برجليك ولا تأخذ بعين الاعتبار شيئاً واهرب مني كعدوة تنصب لك الكمين... إذا كنتُ صنعتُ بك شراً!!". وكان هذا الحادث بمثابة نقطة الثقل في حياته. من الأكيد الحصول على الطهارة المسيحية يفرض الهرب من العالم. هذه النجوة هي الطريق الأقصر نحو القداسة. ولكنه الذي يدوس برجليه كائناً إنسانياً -إذ يهرب من العالم- فإنه يسدّ على نفسه طريق القداسة إلى الأبد. ولكنه جعل من غرفته في المنزل قلاّية. وعاش حياة الراهب والابن في الوقت نفسه. فتقشف وكرس وقته للصلاة. ثم أنشأ بالاشتراك مع باسيليوس صديقه أخوية نسكية ضمت بعض رفاقهما في التلمذة أمثال ثيودوروس أسقف موبسوسته فيما بعد ومكسيموس أسقف سلفكية أسورية. وخضعت فيما يظهر إلى ديودوروس و كرتيريوس الراهبين الرئيسين في أنطاكية آنئذ. الراهب: وفي سنة 373 غضب والنس جاش على الأرثوذكسيين فأكره النساك على الخدمة العسكرية والمدنية. واعتبر بعض المسيحيين أن تقشفات النساك ضرب من الجنون. فضحك الوثنيون على الطرفين. فأخذت الكآبة في نفس يوحنا كل مأخذ. فعلم أحد أصدقاءه بهذا. فحض يوحنا أن يقيم كلامه حصناً يدرأ نار الاضطهاد فتردد يوحنا ثم أنشأ ثلاثة كتب في إطراء السيرة النسكية. لا تزال من أفضل ما صُنف في موضوعها. ومن ثم ذهب إلى وادي العاصي وأوى إلى مغارة في الفترة ما بين (374-381). وعاد إلى أنطاكية بعد ست سنوات. مريض، فجسمه لم يقوى على التقشف. ورجليه أصبحتا ضعيفتين. يُخيل للناظر إليه أن لا لحم له ولا دم يجري في عروقه. ولم يدرِ وقتها أن الله افتقده لما رأى ثمره نضج وقد حان الوقت ليرفع صوته ويسطع نوره في أفق الكنيسة. الشماس والكاهن والواعظ: (381-398) كان القديس ملاتيوس قد عاد إلى أنطاكية في صيف 378. فلما أطل يوحنا على دارس الأسقفية ابتهج الجليل في القديسين ملاتيوس وجاء به ورسمه شماساً رغم معارضته. فأوكلت إليه مهمة مساعدة المحتاجين، فوزع الصدقات وزار المرضى والحزانى.... ودعي ملاتيوس لحضور المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية وترأس أعمله. واستطحب معه الكاهن فلابيانوس يمينه. ووكل السهر على شؤون الكنيسة إلى يوحنا. ثم توفي ملاتيوس أثناء انعقاد المجمع، فبكاه يوحنا. ثم أجمع الآباء الأنطاكيين على فلابيانوس خليفة للرسولين. فتوثقت المحبة بينه وبين يوحنا. وشرع يفكر في ترقية يوحنا إلى الكهنوت. ثم وضع يده عليه في كنيسة القديس بولس سنة 386. واحتشد يومها أهل أنطاكية مسيحيين ووثنيين. فملك يوحنا قيادتها بقداسته وفصاحته. فسعى لإصلاح المجتمع. وحرك الأغنياء أن يمدوا يد المعونة للكنيسة والتي بدورها راحت تبني المشافي والمآوي. الذهبي الفم وعيد الميلاد: يؤرخ لنا القديس يوحنا الذهبي الفم أن كنيستنا الأنطاكية بدأت بالاحتفال بعيد الميلاد في أيامه. أخذة بذلك عن كنيسة رومة. فلمّا سيم قساً سنة 386 رأى من واجبه اقناع المؤمنين بأهمية هذا العيد المجيد. فوعظ في المؤمنين في العشرين من كانون الأول وتكلم عن عظمة عيد الميلاد لعظمة سر التجسد وقال: "لو لم يتجسد الرب يسوع المسيح لما كان صلب ولا أرسل الروح القدس. وما كنا نقيم عيد الغطاس ولا الفصح ولا العنصرة. فمن عيد الميلاد تولدت جميع الأعياد السيدية وتدفقت منه كما تدفق الأنهار من ينبوع واحد....". وعاد قديسنا إلى الوعظ في يوم عيد الميلاد فقال قولاً بليغاً وسجل لنا الأخبار المفيدة لتاريخ هذا العيد. فألمع إلى أننا لم نبدأ الاحتفال به قبل سنة 376 وأننا أخذناه من الغرب وقال: "ولئن كان ظهور هذا اليوم الشريف ومعرفتنا إياه من مدة لا تنيف على عشر سنوات... وقد كان معروفاً منذ البدء بين الشعوب القاطنين في الغرب ودخل بيننا حديثاً..." ثورة أنطاكية: كانت قد تلطخت حاشية ثيودوثيوس بالرشوة. وكتب ليبانيوس الفيلسوف إلى الامبراطور يقولا: "حكامك الذين تبعثهم إلى الولايات ليسوا سوى قتلة". وجاءت السنة 378 فشرعت الحكومة المركزية تتهيأ للاحتفال بمرور عشر سنوات على حكم الامبراطور وبإتمام السنة الخامسة لإشراك ابنه اركاديوس بالسلطة. ففرضت الضرائب لأجل هذا الاحتفال. فاستثقل الأنطاكيون هذه الترتيبات المالية الجديدة وتقدم أعيانهم إلى عامل الأمبراطور في أنطاكية يسألونه رفع هذا العبء. فلم يلتفت لسؤالهم. وأبدى جباة الضرائب عنفاً شديداً فأمسوا هدفاً للشتائم واللعان. واشتدت وطأة هذا الظلم على الفقراء. فأخذوا يتجولون في الشوارع وجعلوا يشتمون الامبراطور وأسرته. وحطموا تماثيلهم النحاسية ولا سيما الامبراطورة بلاكلَّة التي كانت قد غمرت الأنطاكيين بالإحسانات. فجروا تماثيلها في الأوحال والأقذار ثم كسروها قطعاً. واختبأ رجال السلطة في منازلهم وحذا حذوهم سائر الأعيان، فأمست المدينة في يد أهل الفوضى. فنهبوا ودمروا وخربوا. ثم أفاقوا فتأملوا مرتجفين وتوقعوا نزول العقاب فهجر بعضهم المدينة وهرب آخرون إلى الهضاب المجاورة. وتقطر قلب فلابيانوس وخشيَ سطوة الأمبراطور وأشفق على خرافه من أن يؤخذ البريء بذنب الجريء. وقر قراره أن يطرق بابا الأمبراطور نفسه ويلتمس العفو منه بعد أن طلب منه ذلك القديس الذهبي الفم وترجاه. فسار في الشتاء وهو الشيخ الكهل مسرعاً ليسبق السعاة المنفذين لإنذار ثيودوسيوس بما جرى. فشخصت أعين الأنطاكيون إلى خليفته الذهبي الفم. فاقتدى هذا بأصحاب أيوب ولزم جنب الصمت سبعة أيان ثم أخذ يعزي نفوسهم مؤكداً حماية يسوع مذكراً ببلايا أيوب والفتيان الثلاثة الذين ظلوا يسبحون الرب في وسط أتون النار. وبلغ ثيودوسيوس الخبر قبل وصول السعاة. فاستشاط غضباً وجزم بأن ينزع عن أنطاكية جميع امتيازاتها وينقل عاصمة المشرق إلى اللاذقية وأوفد إليها قائدين كبيرين هما الليبيكوس وقيصاريوس. فلما وصلا إلى أنطاكية في الثاني والعشرين من شباط سنة 378 أعلنا سقوط امتيازات أنطاكية وأقفلا الملاعب والمشاهد والميدان والحمامات. وشرعا ينقبان عن المجرمين. ووقعت الشبهات على كثيرين من وجهاء المدينة لتقاعسهم عن قمع الهيجان. فأوثقوا وطرحوا في السجون وحجز على أموالهم وطردت نساؤهم من بيوتهم ولم يجرؤ أحد أن يَقبلهن عنده خشية أن ينهم بمشاركة أزواجهن. فتولى الذهبي الفم التعزية بنفسه. وتذكر الذهبي الفم أن هناك أناس يعطون حياتهم بسهولة من أجل الرب، هؤلاء هم العائشون في البراري والجبال، المتوحدون. فالنساك هم خزانة عقيدة الرسل وتعاليمهم. والأمر الصعب في هذا هو العثور عليهم، إلا أن قديسنا نفسه كان متوحد ويعرف كيف يجد هؤلاء المصارعين الروحيين. فبعث رسالة إليهم يحثهم على الظهور في أنطاكية لتخليص أخوتهم من التعذيب والموت. كيف انتشرت الرسالة؟! لا ندري. الذي نعرفه أن الخبر وصل إلى الجميع وبدأت تحركات المتوحدين نحو المدينة. جاء القديسون لنيقذوا من الموت أناساً لا يعرفونهم ولم يرونهم قط ولا تربطهم بهم إلا رابطة المحبة في المسيح. لقد أحبوهم حتى أنهم أتوا ليبذلوا حياتهم. فكانوا أعظم من الملائكة، كانوا أبطالاً وملائكة، مجردون من الأشياء المادية ومسلحون بدرع الإيمان وخوذة الخلاص. وكان أحدهم يدعى مكدونيوس. لا يعرفه أحد إلا أن اسمه كان معروفاً للجميع. هو أول من ظهر في أنطاكية. ورأى في الساحة العامة المرسلين الأمبراطوريين على حصانيهما. فاعترض طريقهما وأمرهما بالترجل وتكلم كمن له سلطان. وأمرهما بالرجوع عن أنطاكية إلى القسطنطينية وطلب إبلاغ رسالته إلى الأمبراطور بأنه كونه امبراطوراً لا يعطيه الحق اطلاقاً بقتل أي إنساناً واحداً. صحيح أن الأنطاكيين حطموا بعض التماثيل، وهذا غير مستحسن، إلا أن الأنطاكيين أنفسهم رفعوا كثيراً من التماثيل، تماثيل أجمل من التي تحطمت. هل يقدر الأمبراطور أن يعيد تكوين إنسان قتله؟ هل يقدر أن يعيد شعرة واحدة سقطت من رأس الرجل؟ إذا كان الأمبراطور لا يستطيع إعادة إنسان للحياة فإنه لا يحق له مطلقاً أن يقتل إنساناً. يجب على الأمبراطور أن يعيد السيف إلى غمده ويكفّ عن تقتيل الناس. كل إنسان مخلوق على صورة الله. كل إنسان نسخة عن الله. وقال مكدونيوس يجب أن يفهم الأمبراطور أنه لا يحق له أن يمحو من سفر الحياة ولا صورة إنسانية لأن الصورة الإنسانية هي نموذج عن صورة الله... وبعد أن انتهى من كلامه، ذهب. ووعداه بأنهما لا يمسان أحداً بسوء قبل أن يرفعا كلمته إلى الأمبراطور. إلا أن حماسهما قد خف في تبليغ الرسالة. وقابل الذهبي الفم موقفة الأساقفة والنساك والرهبان في هذا الحادث الجلل بموقف كبار الوثنيين. فقال في إحدى مواعظه ما معناه: أين هم الآن أولئك الرجال أصحاب الطيالس الطويلة واللحى العريضة الذين كانوا يتمشون شامخي الأنوف في الأندية العمومية وفي يدهم عصاً! أين هم في ساعة الأحزان والذعر؟ لقد هجروا المدينة عند حلول الخطر وفروا إلى المغاور والأودية إخفاء لعار ضعفهم. ولم يأتِ لإغاثة الشعب في ضيقه إلا محبو الحكمة الحقيقية حكمة الصليب هؤلاء النساك مستودعو كنز تعليم الرسل وورثة غيرتهم وشجاعتهم. وكفي بالحوادث صوتاً يفحم كل خصم - نخبة النخب 29. ووصل فلابيانوس إلى القسطنطينية وهرع إلى البلاط. وكان قد عانى من التعب أشده. فلما أبصره ثيودوسيوس تصدع قلبه أسفاً فذكر الامتيازات والإحسانات التي غمر بها أنطاكية وقال أهذا هو عرفان الجميل؟ فردّ عليه الأسقف الشيخ ب��طاب طويل. وأفضل ما جاء فيه قوله: "إني لست فقط رسول شعب أنطاكية بل أيضاً سفير الله، أتيت باسمه أُنبئك أنك إن غفرت للناس سيئاتهم وهفواتهم غفر لك أبوك السماوي مساوئك وزلاتك.... فبمثل ما تحكم الآن يحكم عليك...." وعاد فلابيانوس إلى أنطاكية حاملاً العفو المنشود واحتفل بعيد الفصح المجيد فانبرى الذهبي الفم يرد آيات الشكر والتسبيح لأن شعب أنطاكية كان ميتاً فعاش وضالاً فوجد. أسقف روما الجديدة: (398-404) توفي نكتاريوس أسقف القسطنطينية في السابع عشر من أيلول من عام 396 فأصبح كرسي رومة الجديدة كرة شقاق بين الشعب ورجال الكهنوت. وكان ثيودوسيوس وقد توفي في مطلع السنة 395 مخلفاً أزمة الحكم ليدين ضعيفتين لابنيه اركاديوس في الشرق واونوريوس في الغرب. وتسلط على اركاديوس وزيره الأكبر روفينوس ثم قوي على هذا الخصي افتروبيوس فأسقطه وجلس مكانه. وهذا هو الذي عهد إليه منصبه أن يرفض توسلات أولي الأطماع وأن يفتح أذنه إلى وحي ضمير المؤمنين وصوت الشعب المسيحي الحقيقي. وكان افتروبيوس قد عرف الذهبي الفم في أثناء رحلاته إلى الشرق فأُعجب بفصاحته وقدر فضله فلم يجد أجدر منه بإعادة شعب العاصمة إلى الفضائل المسيحية. ولعله أحس بوحي أوتيه من فوق. فإنه عند المجاهرة باسم الذهبي الفم استصوب الجميع هذا الاختيار. وعرف الخصي تعلّق الأنطاكيين بمرشحه. فكتب إلى فيكتور استيروس والي الشرق أن يرسل يوحنا خفية دون إطلاع أحد من الأنطاكيين على ذلك. فبادر الوالي إلى التنفيذ ووجد أن أيسر الطرق هو الاحتيال بإخراج يوحنا إلى ظاهر البلد ليتمكن من تسفيره سراً. فدعا الوالي الكاهن يوحنا إلى زيارة كنيسة الشهداء حيث مدفون أجساد الشهداء في خارج أسوار المدينة. وكان هذا في أواخر تشرين الثاني. فعد يوحنا هذه الرحلة واجباً مقدساً ورضي بها. وذهب الذهبي الفم إلى المكان الذي اتفقا على أن يلتقيا فيه. وفي الموعد المحدد جاء استيروس راكباً في عربة كونتية مفروشة بالحرير، تجرّها جياد أصيلة. وقبل القديس دعوة استيروس للركوب وركب إلى جانبه. وما كادت العربة تتحرك حتى فتح الكونت "استيروس" فمه قائلاً: "بالحقيقة، ليست غايتي زيارة كنيسة الشهداء. أرجو القديس أن يغفر كذبتي". واتجهت العربة إلى القسطنطينية. ورغب الأمبراطور ومن حوله أن يستقبلوا المرشح الأنطاكي بما استطاعوا من العظمة والأبهة والإجلال لأنه سيتبوأ أسمى المناصب في الكنيسة بعد أسقف رومة. فدعا الأمبراطور إلى مجمع محلي للانتخاب وجمع أكابر العاصمة واستدعى ثيوفيلوس أسقف الإسكندرية، ليضع يده عليه ويسلمه عكاز الرعاية. وتمت سيامته أسقفاً في 26 شباط من عام 398، وكما يقول السنكسار اليوناني في منتصف كانون الأول من سنة 379. وثيوفيلوس -"الفرعون المسيحي"، "الفرعون الإسكندري"- هذا يعتبر من أسوء الأساقفة التي عرفتهم الكنيسة. فكان فظاً مثل فرعون، محباً للذهب والأحجار الكريمة مثل فرعون، ويحتقر الإنسان مثل فرعون. ولم يرضَ هذا الفرعون عن مقررات المجمع المسكوني الثاني الذي جعل من أسقف القسطنطينية في الكرامة بعد أسقف رومة. وكان لا يحب الذهبي الفم، ويخشى مواهبه وقداسته فأحب أن يجعل ايسيدوروس الكاهن الإسكندري أسقفاً على رومة الجديدة. وكان هذا الكاهن راهباً فاضلاً ولكنه مطواع فأحبه ثيوفيلوس، لأنه رأى في انقياده آلة يديرها في يده كيف شاء. فجاهر بعدم الرضى فاضطر افتروبيوس أن يقول له: "أمامك أحد أمرين إما أن تنقاد لرأي الأساقفة والوجهاء وإما أن تدافع عن نفسك ضد المشتكين عليك". فارتبك ثيوفيلوس واحتفل برسامة يوحنا الذهبي الفم. وأرسل يوحنا رسائل سلامية إلى رؤساء الكنائس. وفي أول يوم بعد دخوله القصر الأسقفي أحدث تغيرات. غيّر بعض الأشياء التي من شأنها إغضاب الرب. إذ أن سلفه كان محافظاً للمدينة ومن ثم وبعد أن تقاعد، أصبح أسقفاً فاحتفظ بالقصر وجعله القصر الأسقفي. فكان مليئاً بالذهب ومظاهر الترف. فأمر يوحنا ببيع جميع الأواني الفضية والذهبية وتوزيعها على الفقراء. ثم باع السجاد وشيّد بثمنه مستشفى للفقراء. وباع المقاعد الحريرية والمغاطس الرخامية والشماعدين وأقام بأثمانها مأوى للغرباء. باع المرايا واللوحات والأعمدة وترك الجدران عارية. وأخيراً باع السرير: الحرير والمخمل النادر. وأتى بسرير من ألواح الخشب. وبعد ذلك صرف جميع الخدام على اختلاف وظائفهم بعد أن دفع لهم ما يحق لهم من المال. وأرسل جميع أدوات المطبخ إلى المأوي والفقراء. لم يشهد سكان القصر الأسقفي مثيلاً لما يجري أمامهم. وتكلموا باحترام مع سيد القصر قائلين: إن أسقف القسطنطينية ثاني أسقف في العالم، وعليه واجبات رسمية. عليه أن يقيم مآدب، وأدوات المطبخ لازمة. عليه أن يدعو الأمبراطور والأمبراطورة والأعيان. هكذا البروتوكول! وأبدى القديس أسفه قائلاً: إن الأسقف طبيب روحي وأب. وليس صاحب مطعم يدعو الناس ليملأوا بطونهم. ولكي يعطي لكلامه وزناً عملياً أصدر أمره ببيع غرفة الطعام بكاملها. وأعلن أنه لن يدعو أحداً إلى الطعام وأنه سيأخذ طعامه وحيداً كما كان يفعل طيلة حياته. وأنه غير محتاج إلى طاهٍ وأدوات. سيهيئ، بنفسه وبمساعدة أحد الرهبان، الخضار التي يتناولها مرةً واحدة في اليوم. إلا أن إنسان واحد لم يقتنع ولم يصدق أن القديس يعيش حياة قاسية. وهو الأسقف أكاسيوس. كان صديقاً للقديس، وأسقفاً في الملحقات "خوراسقف". قدم لأشغال خاصة في القسطنطينية. وعرف الذهبي الفم بقدومه فدعاه للحلول ضيفاً عليه. وسر الأسقف أكاسيوس بهذه الدعوة، فكان بالنسبة له دخول القصر الأسقفي موازٍ للدخول للقصر الأمبراطوري. وقاده الراهب إلى الغرفة المخصصة له. كانت شبيهة بغرفة الذهبي الفم تماماً. فيها سرير من الخشب وعليه غطاء، والجدران عارية. وفتح أكاسيوس فاه عجباً، وظن أن صديقه الذهبي الفم يسخر منه. وللحال ترك أكاسيوس القصر الأسقفي غاضباً. ومن تلك اللحظة أصبح عدواً لدوداً للذهبي الفم. وعبثاً حاولوا أن يفسروا له أن أسقف القسطنطينية ينام في غرفة مماثلة. لم يصدق أكاسيوس أن صديقه الذهبي الفم سخر منه وهو لن ينسى له هذه الاهانة طالما فيه عرق ينبض. وسيحاول الانتقام لكرامته. وعني القديس بإصلاح الاكليروس. فسلق بعضهم بلسانه سلقاً. وأوجب عليهم الزهد في الملبس والمأكل والقيام بالواجب المقدس. وكان لكلامه وقع شديد في قلوب السامعين فانقاد اكليروس القسطنطينية لصوته وعاد عدد كبير منهم إلى ما اعتاد عليه آباء الكنيسة الأولون من التواضع والفقر والقناعة والقداسة. وكان الارشدياكون سرابيون أشد من الذهبي الفم غيرة على الإصلاح فأمسى إفراطه في التنقيب والتأنيب عثرة في سبيل القديس. فحقد بعض رجال الاكليروس على الأسقف والأرشدياكون واضطر الأسقف بعد أن يئش من إصلاحهم أن يقطعهم من جسم الكنيسة. وتفقد القديس بنفسه جميع الأديرة فأثنى على المحافظين على فرائض الدعوة وأكره الذين نفخ فيهم ريح العالم على الرجوع إلى الأديرة والتقيّد بقوانينها وتقاليدها. وحرم على الكهنة قبول العذارى المصونات في بيوتهم. وأنشأ للعذارى مآوي انقطعن فيها للصلاة والفضائل ولنسح ثياب الفقراء وتزيين الكنائس وجعل عليها أمّاً واحدة لسياستهن نيكارتية النقوميذية. ثم التفت إلى إصلاح ما فسد من أحوال الأرامل فئة الكنيسة العاملة في أوائل عهدها. فمنعهن من التردد إلى البيوت والحمامات والملاعب وأمرهن أن يعتضن عنها بالتأمل والصلاة ومواساة الفقراء وعيادة المستشفيات. وحتم أنهن إن استثقلن الترمل فليتقيدن بزاج ثان خير لهن وأولى. وفاقت أولمبياذة جميع الأرامل بجميل فضائلها وكثرة حسناتها. وكانت قد ترمّلت وفي في العشرين من عمرها فالتحقت بأحد الملاجئ. فلما أتى يوحنا إلى القسطنطينية كان لها من العمر خمسون عاماً. فأثرت شخصيته في نفسها فعرضت عليه خدماتها وأموالها. فأنفق القديس عن سعة في سبيل تبشير القوط والروس وبعض الفينيقيين وفي تلال لبنان وإنشاء المؤسسات الخيرية. وسعى سعياً حثيثاً لحماية خرافه من حملات الهراطقة - الآريوسيين والأفنوميين والمانيين والمركونيين والفالنتينيين. سقوط افتروبيوس: كان افتروبيوس ثاقب العقل وقّاد الفكر ينظر في مشاكل ويحلها من أبواب لم يستطع غيره الوصول إليها. فكبرت منزلته في عين أركاديوس. ورأى فيه الرجل الوحيد الذي لاغنى عنه في تدبير السلطة. وولّد هذا الاحترام في قلب الخصي صلفاً وتيهاً. وكان ثيودوسيوس قد أدخل في صفوف الجيش عدداً كبير من القوط ولا سيما في سلاح الخيالة. وكان بعضهم قد خدم الجيش بإخلاص فرُقي إلى رتبة عالية. وكان من بين هؤلاء غايناس القوطي. وكان هذا يهتم بشؤون القوط أبناء جنيسه. ولم يكن عددهم قليلاً في العاصمة. فأصبح أحد زعماء السياسة. وأصبحت سياسة العاصمة تطاحناً مستمراً بين غايناس وبين افتروبيوس. وكان للأول نسيب اسمه تربيجلد كان مستلماً قيادة بعض الجيوش في آسية الصغرى. فوسوس له غايناس أن يجتاح برجاله سهول فريجية. ففعل وفتظاهر غايناس بالغبط واستأذن بالإنطلاق لإطفاء نار الثورة والعصيان. فسار إلى آسية الصغرى وجمع الكل تحت أمرته وزحف إلى القسطنطينية. فانخلع قلب اركاديوس وفاوض غايناس فكان من أهم شروط الصلح أن يترك الأمبراطور وزيره افتروبيوس. فأمر الأمبراطور بنفي افتروبيوس ثم بقتله بالتجأ هذا إلى الكنيسة وهرع إلى المذبح والتزق به. وتابعه الجنود لإلقاء القبض عليه فصدهم القديس الذهبي الفم. وفي اليوم التالي بينما كان افتروبيوس لا يزال بجانب المذبح رقي الذهبي الفم ووعظ وعظته الأولى في حادث افتروبيوس. واحتمى افتروبيوس بالقديس ثلاثة أيام. وأصدر بعدها الأمبراطور عفوه عنه متأثراً بالذهب الذي يخرج من فم الذهب. إلا أن هناك شخصاً كان يريد أن يرى افتروبيوس مقتولاً. إنها افدوكسيا، الأمبراطور، فعملت على تلفيق تهمة جديدة لم يشملها العفو الأمبراطوري لكي تستطيع أن تأخذ حكم بإعدامه. وكان لها ما أرادت. أخصام الذهبي الفم: خشي الوطنيون الروم مطامع غايناس فعاهدوا قوطياً آخر. ولدى خروج غايناس من العاصمة أوائل سنة 400 هجم الوطنيون على من تبقى من عساكره في داخل المدينة وقتلوهم. وعبر غايناس الدانوب ووقع أسيراً في يد الهون وقُتل في أواخر سنة 400. وبزوال افتروبيوس وغايناس زالت هيبة السلطة فجهر أخصام الذهبي الفم بمعارضة أدت مع مرور الزمن إلى نفيه ووفاته. وشملت هذه المعارضة منذ البداية عناصر معينة من الرهبان والأرامل والأساقفة. وتزعم معارضة الرهبان اسحق الراهب الذي كان قد أمّ العاصمة في عهد والنس واشتهر بحق وبغير حق بقداسة فائفة وبجرأة في سبيل الأرثوذكسية. أدت به إلى مصارحة والنس باقتراب أجله. وكان قد أسس لنفسه مقرّاً عند مدخل العاصمة أصبح أول الأديرة فيها. ولم يرضَ الراهب عن إصلاحات الذهبي الفم، فلما زالت سطوة البلاط بدأ يطعن في الأسقف القديس فكان لكلامه ودعاياته أسوأ الأثر. وانضم إلى المعارضة عدد من الأرامل من بينهن صديقات الأمبراطورة افذوكسيا. كمرسة وكستريكية وافغرافية التي قدر لها أن تلعب دوراً هاماً في الدس والمؤامرات في البلاط. إذ أن القديس وبخها لأنها وهي كهلة تتصابى وتقلد الشابات في الملبس والمظهر. إذ كانت تفضل أسقفاً يقول لها أنت صبية. في أفسس: ترأس الذهبي الفم مجمعاً محلياً في أيلول سنة 400. وأثناء الجلسات الأخيرة تقدم أسقف غريب اسمه اوزيبيوس. جاء هذا الأسقف يُشهِّر الجرائم التي يرتكبها بعض أساقفة آسية، وأن الكرامات الكنائسية والدرجات الكهوتية تُباع بالمال. وأن الصولجان الأسقفي صار للتجارة. وأن وراء هذا أنطونيوس أسقف أفسس. وراح يتكلم ويشكو للذهبي الفم أوضاع الكنيسة في آسية. وكان القديس يسمع الكلام ورأسه بين يديه. وجاء الشماس ينبهه بأن وقت القداس قد حان ويدعوه للكنيسة. ولكنه رفض، بعد سماع مثل هذه الأشياء لا يقدر أن يخدم القداس. أذناه مازلتا متألمتين. القديس يعرف أن أفسس لا تخضع لسلطته. وأن أساقفة القسطنطينية لم يتدخلوا مطلقاً في شؤونها. ولكن الذهبي الفم يكسر الحدود دفاعاً عن كنيسة المسيح. وفتح تحقيقاً ليتأكد من صحة هذه الاتهامات. بإرساله أسقفين للبحث والتدقيق. ولسوء الحظ جاءت النتيجة إيجابية. فقد كتب أحد مؤمني آسية إلى القديس يقول: "منذ سنوات، أيها الأب الجليل، والقيادة فينا ينقصها العدالة والحق. نسترحمك اذن أن تأتي إلينا". وفي التاسع من شباط 401 أبحر إلى آسيا. وفي أفسس دعا إلى مجمع مؤلف من سبعين أسقفاً. وحضر أمامهم المتهمين. إلا أن أنطونيوس كان قد مات قبل وصوله. وأعلن الكهنة أنهم انخدعوا ووقعوا في الضلال وأن نيتهم حسنة!!! فطرد الذين اشتروا الكهنوت من أنطونيوس. وأعطاهم وثيقة يستطيعون ملاحقة ورثة أنطوينوس بها. وأقام خلفاً لأنطونيوس الشماس هيراقليدس. ثم انتقل إلى ولايات مجاورة وجرّد ستة عشر أسقفاً وأقام خلفاء لهم. المؤامرات تحاك ضده: وفي أثناء غيابه عن القسطنطينية حيكت ضده مؤامرة برئاسة الأساقفة، أكاكيوس صديقه، وسفيريانوس وبعض الأساقفة القادمين من أنطاكية. أما مكان التأمر فكان بيت افغرافية. وانضم لهذه العصابة الأمبراطورة نفسها. ولم يعطي القديس أي اهتمام لهذه المؤامرة. لأنه قد بلغ مرحلة الانفلات الكامل من أمور الدنيا. أما في ما يختص الكنيسة فيكون نشيط الحراك بطل في ساحة المعركة مناضل مصارع لا يهاب شيء. ونشب خلاف طارئ بين سفيريانوس وسيرابيون الشماس الأكثر إخلاصاً للذهبي الفم، والذي كان من مصر. وذات يوم مرّ به الأسقف سفيريانوس فلم يشأ سيرابيون أن يحييه. فوبخه الأسقف وكان ردّه عنيفاً وتلفظ ألفاظاً لا يجو لأسقف أن يتلفظ بها حتى لو غضب "اغضبوا ولا تخطئوا" ومن جملة ما قال: "إذا مات سيرابيون مسيحياً فإن الله لم يتأنس". وتم عقد مجمعاً لفحص للنظر بهذا الأسقف وأعاد أمام المجمع عبارته. فاعتبر كلامه هرطقة. وأوقف عن الخدمة. فطال لسانه هذه المرة القديس الذهبي الفم. وهذا الأمر لم يستط�� مؤمني القسطنطينية احتماله. فهاج الشعب وأراد أن يقتله إلا أنه استطاع أن يفلت منهم وهرب في البحر ليلاً. فاغتاظت افدوكسيا للأمر وطلبت من سفيريانوس العودة. إلا أن الشعب كان يريد أن يراه فقط لينتقم لإهانة القديس، فلم يكن أمام أفدوكسيا حلّ إلا أن تذهب إلى القداس وتركع أمام الذهبي الفم وتطلب منه أن يغفر لسفيريانوس خطيئته، ففعل. وعمل على تهدئة الشعب. الأخوة الأربعة الطوال: كان ثيوفيلوس الفرعون الإسكندري يكره الذهبي الفم وقد أُجبر على سيامة يوحنا أسقفاً على القسطنطينية. وكان نشاطه بدأ يتسع إذ أخذ على عاتقه تهديم الهياكل والتماثيل الوثنية والمكتبات. كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لله. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان الوثنيون يطلقون عليهم لقب "العصابات السوداء". وثيوفيلوس كان يقود بنفسه فرقاً من الجنود. فكان هذا الفرعون لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس. تعاقد ثيوفيلوس مع افدوكسيا على مهاجمة الذهبي الفم. وكان جديراً بهذا. فهو خبير في التهديم والتخريب والتدمير وتصفية الإنسان! ولا بد من مناسبة لمباشرة العمل. فكان "الأخوة الطوال" الحجة التي تذرع بها للانقضاض على الذهبي الفم. "الأخوة الطوال" أربعة أشقاء يعيشون في برية مصر نساكاً منقطعين عن العالم. وأسماؤهم هي: امونيوس ديوسقوروس، افيميوس وأوريبيوس. وأراد ثيوفيلوس أن يخرجهم من حياتهم النسكية ليرفعهم للاسقفية. لكنهم رفضوا. فأرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة. فلما رأى الجنود قادمين، أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف. وكان الذهبي الفم متتبع لأخبار الأخوة الطوال ومعجباً بهم. وأراد ثيوفيلوس أن يغتصب ثروة أرملة. ولكن كيف يبرر هذا الاغتصاب؟. فلجأ إلى مدير أبرشيته: الايكونومس ايزيدوروس. إلا أنه كان تقياً صالحاً فرفض أن يشاركه في هذه السرقة. فغضب وأصدر أمره بإلقاء القبض عليه وتعذيبه وتسليمه للقضاء. إذا كان الأسقف الإسكندري يتمتع بصلاحيات زمنية. ولإثبات التهمة كان الفرعون بحاجة إلى شهود. ولمّا كان مدير الأبرشية يتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن، وجب إذن أن يكون الشهود أوفر فضيلة منه. ولا يتمتع بهذه الفضيلة إلا الأخوة الطوال. فاستدعاهم ثيوفيلوس وطلب منهم الشهادة. ولكنهم رفضوا بحزم. فأصدر أمره للجنود، فعذبوا الأخوة الطوال ثم قيدوهم بالحديد. وتولى ثيوفيلوس بنفسه ضربهم، بيديه. ثم راح يدوسهم برجليه. ثم اقتيدوا للسجن في سلاسل الحديد. وهزّ هذا المنظر الإسكندرية بأسرها. فلم يكن أمام ثيوفيلوس إلا أن يذيع خبر بأن الأخوة الطول أصحاب هرطقة. ولم تنجح الحيلة فأطلق سراحهم. وفي يوم ذهب ثيوفيلوس إلى برية مصر مصطحباً جنود معه. وراح يحرقون المناسك. وخرج الرهبان مرعوبين. ولحق بهم الجند وباشروا بتقتيلهم. واستمرت المجزرة طيلة الليل. ونجا الأخوة الطول ومعهم ثلاثمائة راهب. هؤلاء فقط الذين نجوا من مذبحة ثيوفيلوس. والذين يقول فيهم الذهبي الفم: إن المناسك في برية مصر تلمع بفضيلة الرهبان أكثر من نجوم السماء وإن سكان هذه القلالي هم ملائكة في صورة بشر. فاتفقوا على أن يقطعوا الصحراء متفرقين على أن يلتقوا على الحدود الفلسطينية. وعاد ثيوفيلوس إلى الإسكندرية وأصدر حرم عليهم جميعاً، على كل الذين نجوا من رجاله القتلة. ووصل إلى فلسطين وكان قد رقد منهم الكثير في مجاهل الصحراء. جوع وعطش ومرضاً... فصلوا على أرواحهم ودخلوا فلسطين. إلا أن أسقف أورشليم لم يستطع أن يبقيهم في أورشليم. فلم ي��قَ لهم إلا القديس الذهبي الفم فالتجأوا إلى القسطنطينية. وكان عدد الذين دخلوا القسطنطينية 50 فقط. ولدى وصلهم طلبوا من الذهبي الفم أن يسمح لهم بالاستقرار في أبرشيته. للصلاة والتعبد. وكان الذهبي الفم يعلم بأمر حرم ثيوفيلوس لهم. فناقشهم في اللاهوت والعقيدة ليتأكد إذا كانوا في الهرطقة أم لا. ولم يلاحظ أي أثر للهرطقة في روحانيتهم. فقال للأخوة الطوال: "أنا أخذ قضيتكم على عاتقي. فإما أن يحلكم مجمع آخر ينعقد لهذه الغاية، وإما أن يرفع أسقفكم بتلقاء إرادته الحرم عنكم. اعتمدوا علي". فسمح لهم أن ينزلوا في بيت قريب من إحدى الكنائس وسمح لهم بالصلاة مع سائر المؤمنين ولكنه منعهم عن الإشتراك في ممارسة الأسرار المقدسة، حتى يحل الحرم عنهم. فكتب إلى ثيوفيلوس يناشده برابط "المحبة الأخوية الجامعة" أن يصفح عن الأخوة الطوال، وقال له أنه تأكد من عقيدتهم ولا يوجد فيها ما يخالف الإيمان القويم. وقال له بشجاعة أن الحرم الذي أنزله ظالم. وأنه سيدعو مجمعاً مقدساً يعيد الحق لنصابه. إذا رفض ثيوفيلوس أن يفك الحرم. وأظهرت افدوكسيا نوعاً من الشفقة عليهم وأجبرتهم على إمضاء عريضة يطلبون فيها حمايتها. فوافقوا بعد أن تعهدت الأمبراطورة التي تعهدت لهم بدعوة مجمع إلى الانعقاد ليمنحهم العفو ويرفع الحرم عنهم. وهنا انسحب الذهبي الفم، لأن القضايا الكنسية ليس من حق أحد خارج الكنيسة أن يعالجها. وليس من حق افدوكسيا أن تدعو إلى مجمع وأن تقرر إذا كان الحرم عادلاً أم لا. إلا أن الامبراطورة أرادت بهذه العملية أن تظهر أن الذهبي الفم مقصراً في حمايتهم. إذ أن الشعب دائماً إلى جانب المظلومين. ثيوفيلوس في القسطنيطينية: وبعد أن جهزت كل شيء دعت إلى عقد مجمع في القسطنطينية. إلا أن ظاهر المجمع كان شيء والخفي شيء أخر، فكان الهدف من المجمع هو أن تتم محاكمة الذهبي الفم. أما الذهبي الفم فكان يعتقد أن المجمع سينعقد ليحاكم ثيوفيلوس. في ربيع 403 أرسل ثيوفيلوس أحد أساقفته. القديس ابيفانيوس، اختصاصه كشف الهرطقات. ووصل إلى القسطنطينية. وتصرف منذ لحظة وصوله وكأن الذهبي الفم هو الهرطوقي، لأنه دافع عن الأخوة الطوال. وكان ابيفانيوس مخدوعاً، فعمل على تدبير حيلة تنهي قصة الأخوة الطوال وتعطي الفرصة للمجمع أن ينعقد ليحاكم الذهبي الفم. وبعد أن قدم حيلته للأمبراطورة. ذهب لعنده امونيوس وكلمه ثم سيرابيون فعرف أنه وقع في حفرة نصبها له ثيوفيلوس وأفدوكسيا فقرر العودة قبل أن يصل أعضاء المجمع. ورقد وهو في طريق عودته. وصل ثيوفيلوس وجميع أساقفته إلى البوسفور وأقام في خلقيدونية أياماً ثم جاء القسطنطينية. ومرّ أمام كنيسة الرسل ولم يدخل إليها. وعلى الرغم من هذا فإن الذهبي الفم ذهب لاستقباله في القصر الذي أعد له ودعاه للإقامة عنده. وكان بيت افغرافية مركز المشاغبة والمؤامرة على الذهبي الفم. مجمع السنديانة: (البلوطة) لما تم اتفاق المتآمرين واتحدت كلمتهم خافوا أن تحبط مساعيهم إذا عقدوا اجتماعاتهم في العاصمة لأن الذهبي الفم كان محبوباً موقوراً. فاستحسنوا بلدة خليقيدونية ونزلوا عند أسقفها المصري كيرينوس وعقدوا اجتماعهم في قصر السنديانة. وانضم إليهم أكاكيوس وسفيريانوسو أسقف جبلة وأنطوخيوس أسقف عكة وماروطة أسقف ميافارقين ومكاريوس مغنيسية. وكان هذا في منتصف تموز. وابتدأت المحاكمة. بينما كان يوحنا مع أصدقائه في غرفة الطعام يتحدثون. وكان يكلمهم كما لو أنه يودعهم. وأصغى المجتمعون في السنديانة إلى جميع الاتهامات الواردة في الذهبي الفم. فبلغت شكايات الارشدياكون يوحنا تسعاً وعشرين. وادعى الأسقف اسحق على الذهبي الفم أنه قبل في كنفه رهبان قالوا قول اوريجانس. وأنه تدخل في شؤون أبرشيات لا يتبعون إلى أسقفيته. ومن ثم الراهب اسحق قدم ثماني عشر شكوى منها "حنو القديس على الخطأة"!. وبينما كان الفرعون الإسكندري وأصحابه يفتلون الشر فتلاً ويحكمونه احكاماً قام غيرهم أربعون أسقفاً من القسطنطينية وغيرها ينظرون في ملافاة الخطر. أما الذهبي الفم فإنه طلب منهم أن لا يدع أحد منهم كنيسته لأجله. ثم كتب أعضاء السنديانة إلى الذهبي الفم أن يبرر نفسه أمامهم. فرد الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية أن في هذا الطلب خروجاً على القوانين الموضوعة في نيقية. وأن أقلية مثلهم عليها أن تخضع لأكثرية مؤلفة من أربعين أسقفاً برئاسة سبعة مطارنة. ولكن الذهبي الفم وافق شريطة أن يترك المجمع أعدائه. فكان ثيوفيلوس قد قال في ليقية "إني منطلق لعزل الأسقف يوحنا". فأبوا وأبى. واتخذوا قراراً بخلعه وبعثوا به إلى البلاط ونشروه في جميع كنائس العاصمة. ولم يُبنَ الحكم فيه إلا على أن المجمع دعاه أربع مرات فلم يحضر. وقد ضاعت أعمال هذا المجمع إلا ما نقله فوطيوس العظيم عنها. وهذه هي التهم التي وجهت للقديس إن الذهبي الفم رقّى إلى درجة الكهنوت عبداً سابقاً متحرراً هو تيفريوس الذهبي الفم يأخذ حمامه اليومي وحيداً يأكل يأكل على إنفراد خضاراً مسلوقة في أيام الحر الشديد يضع بعض النقاط من النبيذ في الماء لا يرتب ثيابه الكهنوتية بعد الانتهاء من الخدم الإلهية وأكثر ما يضحك من بين التهم أن القديس الذهبي الفم ينام مع امرأة!!! وهذه التهمة التي حزت بنفسه فكتب إلى صديقه الأسقف سيرياكوس "يزعمون أيضاً أني أنام مع امرأة. ألا فليجردوا جسدي وينظروا الحالة المزرية التي فيها أعضائي". Bonbon Au Miel وبعد أن انتهى المجمع من خلع الذهبي الفم جاء دور "الأخوة الطوال". وكان عليهم أن يلفظوا هذه العبارة: "إذا كنا خطئنا فنحن تائبون ونطلب السماح والغفران". وهكذا اختصر المجمع قضية الرهبان اللاجئين وانتظر الآباء المجتمعون تنفيذ الحكم بالذهبي الفم. نفيه إلى بيثينية: واستغاث الذهبي الفم بالكنيسة الجامعة وسأل عقد مجمع مسكوني ولم يخضع فوراً لحكم قضاة السنديانة بل ظل يواصل أعماله الرعائية يومين كاملين. وكان يقول: وما هي أفكارهم وآمالهم أيظنون أنهم يخيفوني بتهديدات الموت والموت عندي خير عظيم أم بالمنفى والأرض بكمالها للرب الذي وقفت له حياتي. إن يسوع معي فماذا أخشى. ولا انفكّ أقول لتكن مشيئتك يا رب فها أنذا بين يديك مستعد لأعمل وأتحمل بسرور ما يجري من معين رحمتك وما تأمر به إرادتك! ولم يتجرأ عمال الإمبراطور أن ينفذوا حكم السنديانة بالقوة لأن الشعب كان عازماً على مقابلة القوة بالقوة. ثم رغب القديس حباً بالسلام أن يسلم نفسه بأيدي الجنود دون علم الشعب فنقل في الليل إلى مرفأ هيرون على الوسفور فهام القديس على وجهه وظلّ تائهاً حتى وصل إلى بيت قروي قرب برينيت Prenetos في ساحل بيثينية فأوى إليه. رجوعه معززاً: واستيقظ الشعب عند الصباح ولم يجد أسقفه فغضب. واكتظت الشوارع بالناس وأحاط بعضهم بالقصر من كل جانب وصرخوا طالبين إرجاع أبيهم المنفي. وظلوا على هذا الحال حتى المساء. وفي هذا الوقت كان مؤمني القسطنطينية عازمون على إلقاء ثيوفيلوس إلى البحر، لأنه عدا عن تآمره على قديسهم. كان يريد تنصيب أسقفاً عليهم يكون موالٍ له. وكان -وهو الخبير في مهاجمة الكنائس- قد حاول أن يقمع أصوات المؤمنين المطالبين بعودة القديس بالقوة وسفك الدماء. فهرب في الليل إلى مصر. مسطحباً اسحق السوري، شريكه في المؤامرة. ومقسماً ألا يعود إلى القسطنطينية. وفي أواسط الليل أرجفت الأرض وتزلزلت أركان القصر الإمبراطوري. فاشتد خوف الإمبراطورة ورأت في ذلك انتقاماً ربانياً. فقالت لاركاديوس إن لم يعد الأسقف فليس لنا تاج ولا سلطات. فوكل اركاديوس إليها أن تفعل ما تشاء، فكتبت بخط يدها تبدي عذرها وأوفدت أحد رجالها ليرجو العودة. فلما عبر البوسفور أبى العودة إلى كرسيه تواً لئلا يخترق حرمة القانون الكنسي فإن خروجه كان بحكم مجمعي فكان لا بد من حكم مجمعي لعودته. فطلب من افدوكسيا دعوة إلى عقد مجمع صالح للنظر في الاتهامات المنسوبة إليه من مجمع اللصوص مجمع السنديانة. ولكن الشعب لم يقبل له عذراً فسار بموكب عظيم إلى كنيسة الرسل وأوجز في الكلام فبارك أسم الرب إلى الأبد: "أجل تبارك الله الذي يحيط الكايد ويقضي برجوع الراعي. تبارك الذي يثير العواصف. تبارك الذي يحلّ جليد الشتاء ويقمع هيجان الريح ليقوم مقامها الهدوء والصحو والسلام". والتفت في كنيسة الحكمة الإلهية (أجيا صوفية) إلى كنيسته فتراءت له متوجة بإكليل سموي فهي العروس ساره العفيفة الطاهرة التي سعرت طلعتها الجميلة نار الهوى في جوانح فرعون. والإشارة هنا ثيوفيلوس الاسكندري. إلا أن افدوكسيا لم تعيد القديس من المنفى حبّاً به وعطف وحتى شعوراً بالذنب. بل كانت قد رأت في الزلازل عقاباً إلهيا لها. ولكنها كانت ما تزال تضمر الشر للقديس وتريد الانقضاض منه في الوقت المناسب. التآمر على الذهبي الفم: وأرادت الأمبراطورة أن يكون لها تمثالاً أسوة بالأباطرة. وشُرع بتنفيذ هذه الرغبة. واختارت أن يكون مكان التمثال في أكبر ساحة في العاصمة، أمام كنيسة الحكمة الإلهية. واتحاشى القديس أن يصطدم معها ويؤنبها على هذه العادة الوثنية. إلا أن حاكم المدينة كان مانوياً يكره الذهبي الفم. فأقام لمناسبة الاحتفال بالتمثال ملعباً للرقص والشرب والمصارعة في الساحة المقابلة لأبواب الكنيسة. فلم يستطع الذهبي الفم صبراً. فذكّر المؤمنين أن هذه الملذات من شأنها أن تجدد قبائح الديانات الوثنية. ولا يجوز الاشتراك بها. وطلب من الحاكم أن يكف عن هذه الأعمال، المصاحبة لتدشين التمثال. ولكن بما أن الحاكم يكره القديس، نقل للأمبراطورة أن الذهبي الفم غير راضٍ عن مظاهر الاحترام لشخصها. وبالاتفاق معها رفع من وتيرة هذه الأعمال وقدم المشروب المسكر بكميات كبيرة، وعمل كل ما يستطيع نكاية في القديس. وهناك رواية تقول أن الذهبي الفم ألقى عظة ذكر فيها الأمبراطورة، وهناك من يقول أن هذه العظة ليست له وإنما ملفقة مزورة. وبكلتا الحالتين كانت الأمبراطورة تترصد الذهبي الفم. ورأت في معارضته لهذه الاحتفالات تحقير للأمبراطورة. وقامت افدوكسيا بتوجيه رسائل إلى الأساقفة المصريين الذين سبق لهم وحكموا على الذهبي الفم. وكتبت رسالة طويلة إلى الخبير في تصفية الناس، ثيوفيلوس الإسكندري. تحثه على القدوم إلى العاصمة. إلا أن هذا الفرعون كان عارفاً أن ظهوره في شوارع القسطنطينية يعني موته وجعله طعام لأسماك البحر. فقام بإرسال مندوبين عنه بعد أن لقنهم دروساً في كيفية تجديد الحكم على القديس. وأرسل اركاديوس دعوة لأساقفة آسية وأنطاكية. فلبى الدعوة بعضهم وأبى البعض الآخر خشية من اتساع الشقاق في الكنيسة. وحضر جميع أخصام الذهبي الفم والمتآمرين عليه. واستمع الأمبراطور إلى عشرة أساقفة من كلا الطرفين -الأعداء والأصدقاء-. وقبل دعوة الذهبي الفم. وقف أسقف مصري وسأل المجتمعين: ماذا جئنا نفعل؟ وأجاب الأساقفة أعداء الذهبي الفم: نحن مجتمعون لنحاكم الذهبي الفم ونحكم عليه، فابتسم المصري. ثم فسر لهم أن الذهبي الفم غير موجود بالنسبة لهم وللقوانين. فكيف يمكن استدعاء شخص غير موجود للمثول أمام القضاة. وتكلم المصري عن مجمع التكريس الأنطاكي سنة 341. وأن بعض قوانين ذلك المجمع تدين الذهبي الفم وتحكم عليه بما هم راغبون فيه. وقرأ عليهم القانون الرابع من المجمع وينص: "كل أسقف مخلوع من قبل مجمع، بعدل وبغير عدل. يسمح لنفسه بالرجوع إلى منصبه بمجرد سلطان وبدون أن ينال عفواً عن إدانته من المجمع نفسه ومن مجمع آخر. وبدون أن يدعوه القضاة أنفسهم إلى ممارسة حقوقه الكهنوتية -بدون أن يسمح له بالدفاع عن نفسه- هذا الأسقف وكل من يشترك معه يحرمون من شركة الكنيسة". وتابع المصري استناداً إلى هذه المادة فإن المجمع الحالي ليس أمامه شكوى للنظر فيها. فمجمع السنديانة المنعقد برئاسة (الكلي التقوى) ثيوفيلوس قد خلع يوحنا الذهبي الفم. فهو إذن محروم ولا يحق له المثول أمام مجمع لأن الذهبي الفم ليس أسقفاً بل محروم. ادعى أنه كان مظلوماً. هذا لا يبرره. فقانون أنطاكية يقول صراحةً أبعدل أم بظلم، لا يحق للمحكوم أن يمارس حقوقه. ولا يحق له أن يستأنف ويدافع عن نفسه!! وطلب المصري ألا ينعقد المجمع. وهنا جاء دور البيذس أسقف لاذقية سورية. وطلب إلى أخصامه أن يوقعوا قانون أنطاكية كأنه عمل أرثوذكسي قبل تطبيقه على يوحنا الذهبي الفم. فاحتاروا في أمرهم لأنهم إن قبلوه تلطخوا بالآريوسية وإن أبو سقطت حجتهم. فلاذوا بالكذب ووعدوا بالتوقيع ثم أخلفوا. وبحسب نفس المجمع والقانون الخامس منه: "كل كاهن وأسقف طرد من الكنيسة واستمر في إثارة القلاقل والاضطرابات، فليحاكم من السلطة الخارجية كمشاغب". وأشار المجمع المنعقد على أركاديوس بأن ينتهي من الذهبي الفم، مرة وإلى الأبد. فأرسل اركاديوس يسأل الذهبي الفم في الحكم. فأجاب أن كل أحكام المجمع المصري خاطئة. أولاً: إن قوانين المجمع الأنطاكي هرطوقية آريوسية. لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية. ثانياً: إن مجمعاً اكليريكياً-كنسياً لم يحكم عليه مطلقاً. وفي الواقع أن مجمع السنديانة لم يبلغ الذهبي الفم الحكم الصادر بحقه. وإنما ضابطاً امبراطورياً جاءه وقال له أن يتهيأ للرحيل. فبما أن لم يبلغه مجمع السنديانة الحكم الصادر عليه فهذا يعني أن الحكم غير واقع. ثالثاً: الذهبي الفم لا يطلب من المجمع أن يعيد له حقوقه. فحقوق القديس لم يسلبه إياها أحد. بل طلب من المجمع إظهار براءته من الاتهامات، ووضع حد للنميمة سيرة حياة القديس فصح السنة 404: ومضت عشرة أشهر والمدينة في قلق واضطراب والقديس لا يتزعزع. فاحتال أخصامه. وصورا مجتمعاته مستوقدات للاضطراب والإخلال بالنظام وسعوا من منع انعقادها. ثم طلبوا طرد الذهبي الفم قبل عيد القيامة (17 نيسان) لأنه محجوج من المجمع. فأتى أركاديوس هذه المنكرة وأوجب على القديس الخروج من كنيسته. فقال الأسقف القديس: لقد استلمت الكنيسة من يسوع المسيح ولا أستطيع أن أقصر في خدمتها. فإن أردت أن أترك هذه الحظيرة المقدسة فاطردني قهراً. فطرد يوم سبت النور من الكنيسة وحذر عليه الخروج من قلايته. وطرد من الكنائس أيضاً جميع الكهنة الذين كانوا في شركة الأسقف القديس. وكانت العادة حينئذ تقضي بأن يبقى المسيحيون ساهرين بالصلوات حتى صياح الديك معدين طالبي المعمودية -الموعوظين- إلى قبول هذه النعمة. فلجأوا جميعهم إلى الحمام الكبير الذي شيّده قسطنطين وحولوه إلى كنيسة. فسعى المتآمرون في فض هذا الاجتماع. فدخل الجند الحمام والسيوف بأيديهم مصلتة واخترقوا الحشد حتى وصلوا إلى جرن المعمودية فضربوا الكهنة والشيوخ والنساء واختلسوا الآنية المقدسة. فخرج المؤمنون خارج الأسوار واحتفلوا بالتعميد وأقاموا الذبيحة في ميدان قسطنطين. إلا أن الأمبراطور لم يكن صاحب فكرة سفك الدماء وإنما الأسقفان انطوخيوس وأكاكيوس اللذين كان من ضمن الفريق الذي حكم على الذهبي الفم. نفي الذهبي الفم: وبعد العنصرة بخمسة أيام أي في التاسع من حزيران سنة 404. سار اكاكيوس وأعوانه إلى الأمبراطور وقالوا: إن الله لم يجعل في الأرض سلطاناً فوق سلطانك. وليس لك أن تتظاهر بأنك أكثر وداعة من الكهنة وأعظم قداسة من الأساقفة. وقد حملنا على رؤوسنا وزر عزل الأسقف يوحنا. فحذار مما ينجم عن إهمال التنفيذ. فأوفد أركاديوس أحد كبراء البلاط إلى الذهبي الفم، يسأله أن يهجر كنيسته ورعيته بالراحة العمومية. فأصغى القديس وقام إلى المنفى، فالموت. وصلّى وودع "ملاك الكنيسة" ثم ذهب إلى مصلى المعمودية ليودع الماسات الفاضلات اولمبياذة الأرملة القديسة وبناذية وبروكلة وسلفينة وقال لهن: لا تدعن شيئاً يخمد حرارة محبتكن للكنيسة. وخرج القديس خفية. وقبض عليه رجال الشرطة وعبروا به البحر إلى نيقية حيث ألقوه في السجن. واستبطأ الشعب خروج راعيهم فارتفعت جلبتهم في كنيسة الحكمة. وفيما هم على هذه الحال اتقدت نار تحت المنبر وحولته رماداً. ثم امتد لهيبها إلى السقف وسرى خارج الكنيسة. ثم دفعته ريح شمالية إلى الجنوب فبلغ قصر الشيوخ فقوضه. وأمست الكنيسة الكبرى صفصفاً ولم يسلم منها إلا آنية الافخارستية!. وأقام القديس في نيقية أربعين يوم وأكثر. وعلى الرغم مما كان عليه من مضايق السجن وغلاظة الجنود. فإن نفسه ظلت تتوقد غيرة على خلاص النفوس في سورية وفينيقية وتحطيم الوثنية. وكان صديقه قسطنديوس البار لا يزال يعمل في حقل الرب في تلال فينيقية وسهولها متكبداً أشد المصاعب من الوثنيني ومن "الأخوة الكذبة" فقيض الله الذهب الفم راهباً زاهداً في نيقية فاستقدمه الأسقف القديس إليه واستمال قلبه إلى التبشير في فينيقية وأرسله إلى صديقه قسطنديوس. وفي الرابع من آب سنة 404 قامت قوة من الحرس الأمبراطوري إلى نيقية لتنقل القديس إلى منفاه. وقضى أمر النفي بوجوب مواصلة السفر نهاراً وليلاً إجهاداً وتعجيلاً. وما كاد الذهبي الفم يصل إلى مداخل قيصرية قدوقية حتى وقع لا يعي حراكاً. فوق حراسه عن المسير وأذنوا له بشيء من الراحة. بيد أن فارتيوس أسقف قيصرية شدد النكير فاضطر الذهبي الفم أن "يخرج وينفض غبار رجليه". وبعد سفر دام ستة وخمسين يوماً وصل الأسقف القديس في آخر أيلول إلى منفاه في بلدة كوكوس في شمالي طوروس. وعلى الرغم من إقفارها وحقارتها فإن الذهبي الفم ابتهج بمرآها لأنه أحب الانقطاع والراحة ولأن أهلها كانوا قد أوفدوا الرسل إلى قيصرية يسألونه قبول دعوتهم في بيوتهم ولأن اذلفيوس أسقفها كان على جانب من القداسة والطهارة ولأن جماعته الفقراء في المادة كانوا أغنياء بالتقوى والكمال. ومما زاد في سروره أنه لا في كوسوس صديقه القديم قسطنديوس الأنطاكي الذي اضطهد في أنطاكية لولائه وإخلاصه. وابتهج القديس ودهش عندما رأى الشماسة سبينة تنتظر قدومه في كوكوس. فإنها على الرغم من تقدمها في السن تجشمت مشقة الأسفار وسبقت راعيها إلى المنفى!. موقف أنطاكية ورومة: كان فلافيانوس أسقف أنطاكية قد بلغ من العمر قرناً كاملاً فلم يقوَ على محاربة عقارب الحسد التي دبت في قلوب بعض الأساقفة أمثال أكاكيوس حلب وسويريانوس جبلة وانطوخيوس عكة وفاليريوس طرسوس. فالذهبي الفم بلغ رتبة تقاصر عنها هؤلاء وتقطعت دونه أعناقهم فأصغوا إلى مفاسد الفرعون المصري-ثيوفيلوس الإسكندري، وآثروا الإقامة في العاصمة والدس على الذهبي الفم على العمل المثمر في أبرشياتهم. وتوفي فلافيانوس في السادس والعشرين من أيلول 404. فهرع أكاكيوس وأعوانه إلى أنطاكية لانتخاب خلفاً يقول قولهم ويسعى سعيهم. فأيدوا بورفيريوس الكاهن الأنطاكي وحاربوا قسطنديوس مرشح الشعب. وانتهزوا خروج الشعب إلى دفنة لمشاهدة الألعاب الأولمبية فأتموا انتخاب بورفيريوس وسيامته. ثم تواروا عن الأنظار وتولت السلطات المدنية إخماد كل حركة مضادة. وفي الثامن عشر من تشرين الثاني صدرت إرادة امبراطورية أوجب الإعتراف بسلطة أرساكيوس في القسطنطينية وثيوفيلوس في الإسكندرية وبورفيريوس في أنطاكية. ونفذت هذه الإرادة السنية بشدة فنفي كيرياكوس أسقف حمص إلى تدمر وسجن كل من البيذيوس اللاذقية وببوس ثلاث سنوات متتالية. وحرر ثيوفيلوس الإسكندري إلى انوشنتيوس أسقف رومة في موضوع الذهبي الفم. وكتب يوحنا نفسه أيضاً إلى أسقف رومة، يعلمه بالجريمة التي ارتكبت في القسطنطينية، ويقول: "ولما كان لا يجوز لنا أن نحزن بل يجب علينا أن نعيد النظام ونبحث عن الوسائل التي تمكننا من إيقاف هذه العاصفة رأينا من الضروري أن نقنع السادة الجزيلي الشرف والتقوى الأساقفة ديميتريوس وبانسوفيوس وببوس وأوجينيوس أن يتركوا كنائسهم ويجازفوا بأنفسهم فيقوموا بهذه الرحلة البحرية الطويلة ويسرعوا لملاقاة محبتكم وبعد اطلاعكم على كل شيء يتخذوا الإجراءات اللازمة لمداواة الموقف بسرعة". وأرسل مثل هذه الرسالة أيضاً إلى كل من فينيريوس أسقف ميلان وكروماتيوس اسقف اكويليه راجياً المعونة لإنقاذ الموقف. فكتب انوشنتيوس إلى كل من ثيوفيلوس والذهبي الفم يؤيد دوام الشركة ويقترح عقد مجمع مسكوني يمثل الشرق والغرب للنظر في الأمر. وأيقن القديس انوشنتيوس أن دعوى ثيوفيلوس فارغة فاندفع في سبيل الذهبي الفم ولم يكترث لموقف القديس ايرونيموس الذي نقل كلام ثيوفيلوس إلى اللاتينية فاتصل بأونوريوس أخي أركاديوس فقرر الاثنين أن يدعى إلى مجمع مسكوني في تسالونيكي. وكتب اونوريوس إلى أخيه بذلك وتآلف الوفد الرومان إلى المجمع المنتظر. وما كاد يدخل هذا الوفد داخل حدود امبراطورية أركاديوس حتى أُلقي القبض على أعضائه وأعيدوا إلى الغرب. رقاد -استشهاد- القديس: (407) وتوفي ارساكيوس في الحادي عشر من تشرين الثاني سنة 405. فتأمل الأرثوذكسيون أن تود الراحة بعد موته إلى مجراها وأن يعود يوحنا إلى رعيته. ولكن المتآمرين أقاموا اتيكوس السبسطي أسقفاً على القسطنطينية. فأبى بعض الأساقفة الإشتراك معه وتنحى الشعب عنه، فاستشاط غيظاً. فنال من الامبراطور أمراً بنقل يوحنا من كوكوس إلى بيتوس على الساحل الشرقي من البحر الأسود. وعهد ذلك إلى بعض الجنود فقطعوا به آسية الصغرى من غربها الجنوبي إلى شرقها الشمالي بعنف وصلابة وبدون راحة. إذ كانت مهمتهما أن يرهقا القديس حتى يسقط ميتاً على الطريق. واندهش أحد الضابطين من صلابة القديس حتى مال إلى الاعتقاد بأن عجيبة حدثت. وحاول أن يحسن معاملة القديس إلا أن الضابط الثاني لا يلين. إذا لم يمت القديس في الطريق فأن المكافأة "تطير". وكان الذهبي الفم عارفاً أنه يمشي إلى الموت، وهذا مشتاه. لقد بلغ الثامنة والخمسين من العمر. وهو جلد على عظم. وكان مستعداً لمتابعة الجهاد، لكن محبة الله رأت أن يرتاح هذا المناضل العتيد. وفي 13 أيلول من سنة 407 كان القديس نائم، فأرسل الله إليه القديس باسيليكوس الشهيد الذي تُقام كنيسة على اسمه من منطقة كومان. وقال الشهيد للقديس الذهبي الفم: "تشجع يا أخي يوحنا، غداً سنكون مع بعض"، ثم حضر الشهيد عند كاهن الكنيسة وقال له: "هيء مكاناً لأخي يوحنا لأنه آتٍ ولن يتأخر". وأيقظ الضابطان الذهبي الفم لمتابعة المسير ليلاً. واستعطفهما القديس أن يتمهلا عليه حتى بزوغ الفجر لأنه سيموت في الصباح. وضحك الضابطان وأرغماه على المسير. ومع الفجر شعر القديس بأن موته قد دنا. وطلب من الضابطين أن يرجعا به إلى كنيسة القديس باسيليكوس، لأنهم لم يقطعوا مسافة طويلة. وقبل الضابطان هذه المرة. وفي طريق العودة كان الذهبي الفم يسير بنشاط وهمة. كمن يأتي إلى محبوبه. وخلع ثيابه وارتدى قميصاً أبيضاً طويلاً. واستلقى على بلاط الكنيسة. وتناول جسد الرب ودمه الكريمين. ثم قال: "المجد لله على كل شيء. آمين". ومات الذهبي الفم إعلان قداسته: وكان ثيوفيلوس الفرعون الإسكندري قد ناشد أساقفة الشرق والغرب موجباً رفع اسم خصمه من الذبتيخة -لائحة تضم أسماء الذين يراد ذكرهم من شهداء وأبرار وقديسين ومن أساقفة وبطاركة عند تقديم الذبيحة الطاهرة-. وكان قد أصرّ على هذا العناد عدة سنين حتى أصبح ذكر الذهبي الفم في الذبتيخة من أهم مشاكل كنيسة الشرق ما بين 404 و414. وتوفي ثيوفيلوس في سنة 412 وخلف الرسولين في أنطاكية الكسندروس التقي وأحب أن يزيل النفور الذي كان قد دبّ إلى قلوب "الحناويين" من أبناء رعيته. فدوَّن أسم يوحنا الذهبي الفم في الذبتيخة الأنطاكية وقبل في الشركة البيذس أسقف اللاذقية وببوس وغيرهما ممن وقع تحت الاضطهاد من أصدقاء الذهبي الفم. وقضى العرف الكنسي بتسطير رسالة سلامية إلى كبار الأساقفة خارج أنطاكية فكتب الكسندروس إلى انوشنتيوس أسقف رومة، ينبئه بما جرى ويلتمس الشركة وبعث بكتابه مع وفد بصحبة الكاهن كاسيانوس تلميذ الذهبي الفم. فتهللت نفس القديس الروماني وأنفذ إلى الكسندروس رسالة مجمعية مذيلة بتوقيع أربعة وعشرين أسقفاً إيطالياً قابلاً شركة كنيسة أنطاكية. وكتب انوشنتيوس ايضاً كتاباً خصوصياً إلى الكسندروس أعرب فيه عن حبه وتقديره. وفي هذه الأثناء عرف أكاكيوس أسقف حلب خطأه فوضع اسم الذهبي الفم في الذبتيخة الحلبية. ولم يمض وقت يسير بعد هذا حتى اتحدت الكنيسة الأنطاكية على تكريم الذهبي الفم مفتخرة بكونه ابنها ورسولها. وأصرّت كنيسة القسطنطينية على إنكاره وغمص جميله. فسار الكسندروس أسقف أنطاكية إليها واستنفذ الجهد في اجتذاب اتيكوس فأخفق، فاستفز حمية الشعب بتعداد فضائل الذهبي الفم فتضرعوا إلى اتيكوس أن يقبل تكريم سلفه فأبى. وعاد الكسندروس إلى أنطاكية حابط السعي. وكتب اكاكيوس إلى اتيكوس وإلى كيرلس الإسكندري. فاشتد اللغط في الأوساط الشعبية في العاصمة حتى خُشي من شبوب ثورة. فاستشار اتيكوس الأمبراطور الشاب ثم بادر إلى تسطير اسم الذهبي الفم في الذبتيخة. ولم يسرّ كيرلس من هذا الخبر فكتب إلى زميله القسطنطيني والحلبي يلومهما. ولكنه لم يثبت في ذلك طويلاً. ولعله وافق زملاءه أجمعين في إكرام الذهبي الفم قبل سنة 419، ويقال أن السيدة العذراء قد ظهرت له وطلبت إليه أن يعدل عن رأيه ويثبت اسم القديس يوحنا الذهبي الفم في الذبتيخة. بشفاعته مع جميع القديسين أيها الرب يسوع المسيح إلهنا، ارحمنا وخلصنا. آمين
https://www.orsozox.com/forums/showthread.php?t=82773&goto=newpost
0 notes
Quote
لقداسة البابا شنوده الثالث تعريف التوبة : + ما دامت الخطية هي انفصال عن الله ، فالتوبة إذن هي رجوع إلى الله .و الرب يقول في ذلك " ارجعوا إليّ ، أرجع إليكم " ( ملا 3 : 7 ) . و الابن الضال حينما تاب ، رجع إلى أبيه ( لو 15 : 18 – 20 ) . حقاً إن التوبة هي حنين الإنسان إلى مصدره الذي أُخذ منه . و هي اشتياق قلب ابتعد عن الله ، ثم شعر انه لا يستطيع أن يبعد أكثر ... + و ما دامت الخطية خصومة مع الله ، تكون التوبة هي الصلح مع الله + التوبة أيضاً يقظة روحية ، لأن الإنسان الخاطئ هو إنسان غافل ، لا يحس ما هو فيه . لذلك يخاطبه الكتاب قائلاً " إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم " ( رو 13 : 11 ) . + و ما دامت الخطية تعتبر موتاً روحياً ، كما يقول الكتاب المقدس عن الخطاة إنهم " أموات بالخطية " ( أف 2 : 5 ) ، تكون التوبة إذاً انتقالاً من الموت إلى الحياة حسب تعبير القديس يوحنا الإنجيلي ( 1 يو 3 : 14 ) . التوبة هي قلب جديد طاهر يمنحه الرب للخطاة ، يحبونه به . فهي عمل الهي يقوم به الرب في داخل الإنسان . + التوبة هي التحرر من عبودية الخطية و الشيطان ... و من أغلال العادات الخاطئة ، و من السير وراء الشهوات ، و لا يمكن أن ننال هذه الحرية بدون عمل الرب فينا . لذلك يقول الإنجيل " إن حرركم الابن ، فبالحقيقة تكونون أحراراً " ( يو 8 : 36 ) . إذن التوبة هي ترك الخطية ، و لكن من أجل محبة الله و من أجل محبة البر . لأنه ليس كل ترك للخطية يعتبر توبة . فقد يبتعد الإنسان عن الخطية بسبب الخوف ، أو الخجل ، أو المشغولية مع بقاء محبتها في القلب . فلا تعتبر هذه توبة . نمو التوبة : التوبة كأية فضيلة ، ينمو فيها الإنسان و يتدرج . و يظل ينمو حتى يصل إلى كمالها . فهناك نقطة قبل ترك الخطية ، و هي الرغبة في التوبة لأن كثيرين لا يريدون أن يتوبوا . بل يجدون لذة في الخطية تدعوهم للبقاء فيها . أو إن طباعهم جميلة في أعينهم لا يريدون أن يغيروها ... أحبائي .. أهم من ترك الخطية بالفعل ، تركها بالقلب و الفكر فهناك من يترك الخطية بالعمل و لكن محبتها ما تزال في قلبه ، و كمال التوبة هي كراهية الخطية أي يصل إلى الوضع الذي يكره فيه الخطية من كل قلبه و يشمئز منها و لا يحتاج أي جهد في مقاومتها لأنها لم تعد تتفق و طبيعته ، و هنا يصل الإنسان إلى حافة النقاوة . التوبة إذن ليست مرحلة و تنتهي ، إنما تستمر معنا . لأنه ليس أحد بلا خطية و لو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض . فكلنا نخطئ و نحتاج إلى توبة . و هكذا تصير التوبة بالنسبة إلينا عملاً يومياً ، لأننا في كل يوم نخطئ . " إن قلنا إننا لم نخطئ ، نضل أنفسنا و ليس الحق فينا " ( 1 يو 1 : 8 ) . إذن التوبة لازمة لكل منا ، و في كل يوم من حياتنا . دعوة إلى التوبة : إن الله المحب للبشر ، بدافع من محبته لأولاده ، يدعوهم للتوبة . ذلك لأنه " يريد أن الجميع يخلصون " ( 1 تي 2 : 4 ) . و هو لا يشاء أن يهلك أحد ، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ( 2 بط 3 : 9 ) . و هو من أجل خلاصهم مستعد أن يتغاضى عن أزمنة الجهل ( أع 17 : 30 ) . هو يحبنا ، و يريدنا بالتوبة أن نتمتع بمحبته . كانت الدعوة للتوبة ، أهم موضوع في الكتاب المقدس لكي يتنقى الناس و يخلصوا ... و لما كانت التوبة لازمة للخلاص أرسل السيد المسيح له المجد قدامه يوحنا المعمدان يهيئ الطريق أمامه بالتوبة فنادى بالتوبة قائلاً " توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات " ( مت 3 : 2 ) . وقدم للناس معمودية التوبة . وهكذا عمل التوبة سبق عمل الفداء . و المعمدان سبق السيد المسيح . أهمية التوبة : أهم ما في التوبة ، أنه بدونها لا يتم الخلاص . يقول الرب " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 3 ) . و قد " أعطى الله الأمم التوبة للحياة " ( أع 11 : 18 ) . إن التوبة هي التي تنقل استحقاقات دم المسيح في المغفرة . فالخلاص مقدم للكل و دم المسيح كاف للكل و لكن لا ينال منه إلا التائبون . حقاً إن " دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " ( 1 يو 1 : 7 ) ... و لكنه لا يطهرنا إلا من كل خطية نتوب عنها . و قد اشترط الرسول لهذا التطهير أمرين و هما " إن سلكنا في النور " ( 1 يو 1 : 7 ) ، و أيضاً " إن اعترفنا بخطايانا " ( 1 يو 1 : 9 ) . وهذان الشرطان متعلقان بحياة التوبة . عوائق التوبة : لا يوجد شيء يحاربه الشيطان أكثر من التوبة وذلك لأنها تضيع كل تعبه السابق . لذلك تبدو أحياناً صعبة على البعض . فالشيطان دائماً يضع العراقيل و العثرات التي تعطل التوبة ، و منها : + العثرات ، سواء كانت إغراءات أو فرص غير متاحة من قبل . + مقارنة الخاطئ نفسه بمستويات ضعيفة فيظن أنه في حالة حسنة لا تحتاج إلى توبة . + ضعف الشخصية ، بحيث يمكن أن تنقاد للوسط المحيط بها . + تأجيل التوبة . + اليأس والشعور بأن التوبة صعبة وغير ممكنة . + البر الذاتي ، الذي فيه لا يشعر الإنسان أنه مخطئ . كذلك لا يتوب من لا يبكت نفسه و من يرفض تبكيت الآخرين . فالتوبة سهلة للمتواضعين ، وصعبة على الأبرار في أعين أنفسهم . + من عوائق التوبة أيضاً عدم وجود مخافة الله في القلب . التوبة و الكنيسة : الكنيسة لها عمل كبير في توبة كل إنسان : يدخل في نطاقه عمل التعليم و الإرشاد ، و عمل الرعاية و الافتقاد ، و نقل أعمال الروح القدس و عطاياه من أجل خلاص كل أحد و نقل استحقاقات الدم الكريم . و الكنيسة هي الوسط الروحي الذي يساعد على حياة التوبة و هي التي تقدم للتائب سر الاعتراف و تمنحه الحل و الغفران . و في الكنيسة يجد التائب القلب الذي يأتمنه على أسراره وسائل التوبة: قد يكون لكل إنسان الأسلوب الذي يصل به إلى التوبة ، و الذي تراه النعمة مناسباً له أو لظروفه ... على أن هناك قواعد عامة – في الطريق إلى التوبة – تناسب الكل و لعل من أهمها : + اجلس مع نفسك ، حاسبها ، و اخرج بقرار . + لا تلتمس لنفسك الأعذار . + لا تؤجل التوبة. ابدأ من الآن وانتهز الفرصة . + اهتم بخلاص نفسك . + ابعد عن الخطوة الأولى للخطية . + ابعد عن قساوة القلب عند عمل النعمة فيك. + أعد تقييم سلوكك . + ابعد عن الثعالب الصغار المفسدة للكروم . + اهتم بالاعتراف و التناول . + اهتم بعلاج نقاط الضعف التي فيك ، و بالذات الخطايا المحبوبة منك . + اهتم بمحبة الله لتطرد منك محبة الخطية . + صارع مع الله و خذ منه قوة ، لكي بهذه القوة تتوب و تحيا حياة التوبة.
https://www.orsozox.com/forums/showthread.php?t=82764&goto=newpost
1 note
·
View note